الفساد كما قال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} [الروم: 41].
فظهور الفساد هكذا واستعلاؤه، لا يتم عبثاً، ولا يقع مصادفة، وإنما حصل بإذن الله، ليذيقهم بعض الذي عملوا من الشر والفساد حينما يكتوون بناره، لعلهم يرجعون، فيعزمون على مقاومة الفساد، ويرجعون إلى الله وإلى العمل الصالح، وإلى الصراط المستقيم.
والذين كفروا ووقفوا في وجه الحق أن يبلغ إلى الناس، وصدوا الناس عنه بالقوة أو المال أو الخداع، وشاقوا الله ورسوله، وآذوا الرسول في حياته بإعلان الحرب عليه، والمخالفة لما جاء به، والوقوف في غير صفه، أو بعد وفاته بمحاربة دينه وشريعته ومنهجه، ومحاربة المتبعين لسنته، والقائمين على دعوته، وذلك من بعد ما تبين لهم الهدى، وعرفوا أنه الحق، ولكنهم اتبعوا الهوى، وجمح بهم العناد.
فهؤلاء كلهم لن يضروا الله شيئاً، فهم أضعف وأضأل من أن يضروا دين الله ولا منهجه ولا القائمين على دعوته، مهما بلغت قوتهم، ومهما قدروا على إيذاء بعض المسلمين فترة من الوقت.
فإن هذا بلاء وقتي يقع بإذن الله لحكمة يريدها، وليست ضراً لدينه ومنهجه وعباده القائمين على شرعه ومنهجه.
والعاقبة مقررة فسيحبط أعمالهم فتنتهي بهم إلى الخيبة والدمار، كما تنتهي الماشية التي ترعى ذلك النبات السام فتهلك: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)} [محمد: 32].
والفرصة متاحة لهؤلاء الكفار والعصاة في الدنيا فقط بأن يتوبوا إلى ربهم، فباب التوبة لا زال مفتوحاً للكافر والعاصي حتى يغرغر، فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبة ولا مغفرة كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ