ولهذا خوف النبي - صلى الله عليه وسلم - من سابق الإمام في الصلاة بأن يجعل الله صورته صورة حمار؛ لمشابهته الحمار في البلادة وعدم الفطنة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أنْ يُّحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» متفق عليه (?).
وأحق الناس بالمسخ أهل الباطل، وأهل الأهواء، وأهل الغناء، فهؤلاء أسرع الناس مسخاً قردة وخنازير لمشابهتهم لهم في الباطن.
وكل من بخل بماله أن ينفقه في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته سلبه الله إياه، أو قيض له إنفاقه فيما لا ينفعه دنيا ولا أخرى، بل فيما يعود عليه بمضرته عاجلاً وآجلاً، وإن حبسه وادخره منعه التمتع به، ونقله إلى غيره، فيكون له مهنئوه، وعلى مخلفه وزره.
وكذلك من رفَّه بدنه وآثر راحته على التعب لله وفي سبيله أتعبه الشيطان أضعاف ذلك في غير سبيل الله ومرضاته، وهذا أمر معلوم.
وإبليس لما امتنع من السجود لآدم فراراً أن يخضع له ويذل، صيره الله أذل الأذلين، وجعله خادماً لأهل الفسوق والفجور من ذريته، فلم يرض بالسجود له، ورضي أن يخدم هو وبنوه فساق ذريته.
وعباد الأصنام لما أنفوا أن يتبعوا رسولاً من البشر، وأن يعبدوا إلهاً واحداً سبحانه، رضوا أن يعبدوا آلهة أخرى من الأحجار.
فكل من امتنع أن يذل لله أو يبذل ماله في مرضاته، أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته، لا بدَّ أن يذل لما سواه من الخلق، ويبذل له ماله، ويتعب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته عقوبة له.
ومن امتنع أن يمشي خطوات في طاعة الرب ابتلي أن يمشي أكثر منها في غير طاعته: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} [الجن: 17].