سلط الله عليها من يفسق فيها ويفسد، فيقودها إلى الهلاك كما قال سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)} ... [الإسراء: 16].
والله عزَّ وجلَّ قد جعل للحياة البشرية سنناً لا تتبدل، وحين توجد الأسباب تتبعها النتائج، فتنفذ إرادة الله، وتحق كلمته: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)} [الأحزاب: 38].
إن مسئولية الأمة عظيمة، وستتحمل تبعة ترك النظم الفاسدة تنشي آثارها السيئة التي لا مفر منها، وعدم الضرب على أيدي المترفين فيها كي لا يفسقوا فيها، فيحق عليها القول فيدمرها تدميراً.
هذه السنة قد مضت في الأولين من بعد نوح قرناً بعد قرن، كلما فشت الذنوب في أمة انتهت بها إلى ذلك المصير: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)} [الإسراء: 17].
ولقد كان المشركون في مكة يسمعون النذير، ولا يدركون حكمة الله في إمهالهم إلى حين، فيستعجلون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب على سبيل التحدي كما قال سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)} [العنكبوت: 53].
وكثيراً ما يكون إمهال الله استدراجاً للظالمين؛ ليزدادوا عتواً وفساداً، أو امتحاناً للمؤمنين؛ ليزدادوا إيماناً وثباتاً، وليتخلف عن صفوفهم من لا يطيق الصبر والثبات، أو استبقاءً لمن يعلم الله سبحانه أن فيهم خيراً من أولئك المنحرفين .. حتى يتبين لهم الرشد من الغي فيثوبوا إلى الهدى، أو استخراجاً لذرية صالحة من ظهورهم تعبد الله وتنحاز إلى حزبه، ولو كان آباؤهم من الضالين، أو لغير هذا وذاك من تدبير الله المستور.
إن أحوال الحياة وأوضاعها مربوطة بأعمال الناس وكسبهم، وإن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد، ويملؤها براً وبحراً بهذا