فإن الله لا يأخذ القرى بالظلم إذا كان أهلها مصلحين، {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} ... [هود: 116 - 117].

فتلك القرى فيها قلة من المؤمنين لا نفوذ لهم ولا قوة فأنجاهم الله، وكان فيها كثرة من المترفين المكذبين، فأهلك القرى بأهلها الظالمين، وهذه سنة من سنن الله في الأمم.

فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله في أي صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير.

فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويُفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها إما بهلاك الاستئصال، وإما بهلاك الانحلال والاختلال.

إن أصحاب الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له هم صمام الأمان للأمم والشعوب في كل زمان ومكان.

إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والعقوبة.

وإذا قدر الله لقرية أنها هالكة؛ لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تدفعهم ولم تضرب على أيديهم، سلط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، وعاثوا في الأرض فساداً، فحقت عليهم سنة الله، وأصابها الهلاك والدمار.

وهي المسئولة عما حل بها؛ لأنها لم تضرب على أيدي المترفين.

فوجود المترفين ذاته هو السبب الذي من أجله سلطهم الله عليها ففسقوا، ولو أخذت عليهم الطريق، فلم تسمح لهم بالظهور فيها، ما استحقت الهلاك، وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015