فلما غفل عن ذكر ربه انفرط عليه أمره وقلبه.
وأعظم العقوبات نسيان العبد نفسه وإهماله لها، وإضاعته حظها ونصيبها من الله، ومن نسي ربه أنساه الله نفسه كما قال سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} [الحشر: 19].
فهؤلاء عاقبهم الله على نسيانهم له، بأن أنساهم أنفسهم، فنسوا مصالحها أن يفعلوها، وعيوبها أن يصلحوها، ونقائصها أن يكملوها، وحظوظها أن يتناولوها.
وهذا من أعظم العدل، فإنه سبحانه نسيهم كما نسوه، وأنساهم حظوظ أنفسهم ونعيمها وكمالها، وأسباب سعادتها ولذتها؛ عقوبة لهم على نسيان المحسن إليهم بصنوف النعم، المتحبب إليهم بآلائه ونعمائه.
فلما قابلوا ذلك بنسيان ذكره، والإعراض عن شكره، عدل فيهم بأن أنساهم مصالح أنفسهم فعطلوها، فوقعت فيما تفسد به وتتألم بفوته.
ومن أعظم مصالح النفس وأنفع حظوظها ذكرها لربها وفاطرها، وشكرها له، وطاعتها لأمره، فلا نعيم لها ولا سرور، ولا فلاح ولا صلاح، إلا بذكر الله وحبه وطاعته، والإقبال عليه والإعراض عما سواه كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28].
فهؤلاء ذكروا الله فذكرهم، وذكرهم بمصالح نفوسهم ففعلوها، وأوقفهم على عيوبها فأصلحوها، وعَرَّفهم حظوظها العالية فبادروا إليها.
فجازى أولئك على نسيانهم بأن أنساهم الإيمان، ومحبة الله وذكره وشكره، فلما خلت قلوبهم من ذلك لم يجدوا عن ضده محيصاً.
وهذا يبين لنا كمال عدل الله سبحانه في تقدير الكفر والذنوب عليها.
وإذا كان قضاؤه على النفس بالكفر والذنوب عدلاً منه عليها، فقضاؤه عليها بالعقوبة أعدل وأعدل.
فهو سبحانه ماض في عبده حكمه، عدل فيه قضاؤه.