فله فيها قضاءان:
قضاء السبب .. وقضاء المسبب، وكلاهما عدل فيه.
فإن العبد لما ترك ذكر ربه، وترك فعل ما يحبه ويرضاه، عاقبه بنسيان نفسه، فأحدث له هذا النسيان ارتكاب ما يبغضه الله ويسخطه بقضائه الذي هو عدل.
فترتب لهذا العبد على هذا الفعل والشرك عقوبات وآلام لم يكن منها بدّ، بل هي مترتبة عليه ترتب المسببات على أسبابها، فهو عدل محض من الرب سبحانه، فعدل في العبد أولاً وآخراً، فهو محسن في عدله، محبوب عليه.
ودين الله تبارك وتعالى هو الحق، وكل ما سواه باطل، وإنما يكيد المكذبون الظالمون، ويحتالون ويخادعون، من أجل رده وصرف الناس عنه، والله جلَّ جلاله يكيدهم كما يكيدون دينه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعباده المؤمنين عقوبة لهم على جرمهم كما قال سبحانه: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)} ... [الطارق: 15 - 17].
وكيده سبحانه لأعدائه استدراجهم لمصارعهم من حيث لا يعلمون، والإملاء لهم حتى يأخذهم على غرة كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)} [الأعراف: 182 - 183].
فالإنسان إذا أراد أن يكيد غيره يظهر له إكرامه وإحسانه إليه حتى يطمئن إليه، فيأخذه على غرة كما يفعله أعداء الله ورسوله.
فإذا فعل ذلك أعداء الله ورسوله بأوليائه ودينه كان كيد الله لهم حسناً لا قبح فيه، فيعطيهم ويعافيهم وهو يستدرجهم كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام: 44].
وكل من استقام على أوامر الله أسعده الله وأكرمه في الدنيا والآخرة، وتفضيل بني إسرائيل على العالمين موقوت بزمان استخلافهم واختيارهم، واستقامتهم