فالأول من جهة الشبهات، والثاني من جهة الشهوات كما قال سبحانه: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)} ... [التوبة: 69].
فالاستمتاع بالخلاق وهو النصيب من الدنيا متضمن لنيل الشهوات المانعة من متابعة الأمر، والخوض في الباطل شأن النفوس الباطلة التي لم تخلق لنعيم الآخرة، فهي لا تزال ساعية في نيل شهواتها.
فإذا نالتها خاضت في الباطل الذي لا يجدي عليها إلا الضرر العاجل والآجل، ولكن من رحمة الله أنه يبتلي هذه النفوس بالشقاء والنصب في تحصيل مرادها وشهواتها، فلا تتفرغ للخوض في الباطل إلا قليلاً.
ولو تفرغت لكانت هذه النفوس آثمة تدعو إلى النار.
وهذا حال من تفرغ منها كما هو مشاهد في كل زمان ومكان.
فالاستمتاع بالشهوات داء العصاة، والخوض في الباطل داء المبتدعة وأهل الأهواء.
وما من قرية من القرى المكذبة للرسل إلا لا بدَّ أن يصيبهم هلاك قبل يوم القيامة، أو عذاب شديد، كتاب كتبه الله، وقضاء أبرمه لا بدَّ من وقوعه كما قال سبحانه: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)} ... [الإسراء: 58].
وقضى الله سبحانه قضاءً لا مرد له أن من اطمأن على شيء سواه، أتاه القلق والانزعاج والاضطراب من جهته كائناً من كان.
بل لو اطمأن العبد إلى علمه وعمله وحاله سلب ذلك.
وقد جعل سبحانه نفوس المطمئنين إلى سواه أغراضاً لسهام البلاء، ليعلم عبادُه وأولياؤه أن المتعلِّق بغيره مقطوع.