ولله عزَّ وجلَّ على أهل المعاصي عقوبتان:
إحداهما: جعل الإنسان خاطئاً مذنباً لا يحس بألم المعصية ومضرتها لموافقتها شهوته وإرادته، وهي في الحقيقة من أعظم العقوبات.
الثانية: العقوبات المؤلمة بعد فعله للسيئات.
لكن العقوبة الأولى عقوبة موافقة لشهوته وإرادته فلا يشعر بها، والثانية مخالفة لما يحبه ويتلذذ به فيقاسي ألمها.
وقد ذكر الله العقوبتين وقرن بينهما بقوله سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [الأنعام: 44 - 45].
وعلى المسلم أن يحذر من أمرين لهما عواقب سوء:
الأول: رد الحق لمخالفته هواه، فمن فعل ذلك عوقب بتقليب قلبه، وَرَدِّ ما يَرِدُ عليه من الحق رأساً، فلا يقبله إلا إذا برز في قالب هواه.
الثاني: التهاون بالأمر إذا حضر وقته، فمن تهاون بذلك ثبطه الله وأقعده عن مراضيه وأوامره عقوبة له كما قال سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} [الأنعام: 110].
وكل كافر ومشرك إنما يستحق العقوبة بمجرد كفره وشركه، ولكن إرسال الرسل وترك طاعتهم شرط في وقوع العذاب.
فالمقتضي قائم وهو عدم الإيمان، لكن وقوع العقوبة مشروط بشرط هو إرسال الرسول، ومعصية الرسول كما قال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء: 15].
وفساد الدين يحصل بأمرين:
البدع .. واتباع الهوى.
وهذان هما داء الأولين والآخرين، وأصل كل شر وفتنة، وكل بلاء وعقوبة، وبهما كُذبت الرسل، وعصي الرب، ودُخلت النار، وحلت العقوبات.