وعياذاً بك اللهم من كل شيطان في جثمان إنسان، ومن كل عدو في صورة ناصح، ومن كل لئيم في صورة كريم، ومن كل سبع ضارٍ في صورة إنسان بار.
فالله سبحانه قد ركب في النفس الإنسانية قوىً مختلفة:
فمنها قوة العدل الذي يزين لها الإنصاف، ويحبب إليها موافقة الحق.
ومنها قوة الغضب والشهوة اللذان يزينان لها الجور والظلم، ويعميانها عن طريق الرشد.
ومنها قوة الفهم الذي يليح لها الحق من قريب، وينير لها ما في الظلمات، فترى الحق واضحاً جلياً.
ومنها جهل يطمس عليها الطريق، ويساوي عندها بين السبل، فتبقى النفس في حيرة تتقلب، ويهجم بها على الطرق المجانبة للحق والهدى.
ومنها قوة التمييز الذي به تفهم الخطاب، وتعرف به الأشياء على ما هي عليه.
ومنها قوة العقل الذي يعين النفس المميزة على نصرة العدل، وإيثار الحق، وكراهية الباطل، ورفض ما قاد إليه الجهل والشهوة، والغضب المولد للعصبية وحمية الجاهلية.
وكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
ومن عثر على شيء مما طغى به القلم، أو زلت به القدم، فليبادر إلى النصيحة .. ويدرأ بالحسنة السيئة .. ويعفو ويصفح عن عثرات الضعاف .. ويحضر بقلبه أن الإنسان مهما كان هو محل الخطأ والنسيان، والضعف والنقصان .. وأن الحسنات يذهبن السيئات .. والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
واحذر من الشيطان أن ينقلك من روضة الدعاء والنصيحة إلى بحر العداوة، وسكين الغيبة والنميمة، وسوء الظن، فتلدغ لدغ العقرب، وتلسع لسع الحية، وتنهش نهش الأسد.
وتقذف بهذه السموم في مقال مقروء، أو بيان متلو، يوهمك الشيطان أنك ناصح، ويركبك وأنت لا تدري، ويسوقك إلى جهنم بعصا الكبر والخديعة،