السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر: 22 - 24].

وهو توجيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - ليواجه نذارة البشرية ومتاعبها وأهوالها وأثقالها بهذا التصور، وبهذا الشعور، وبهذا النظر.

فيستصغر كل كيد، وكل قوة، وكل عقبة، وكل شخصية، وهو يستشعر أن ربه الذي دعاه ليقوم بهذه المهمة والنذارة هو الكبير الذي بيده كل شيء ومشاق الدعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التصور، وهذا الشعور.

ويوجهه ربه كذلك إلى التطهر كما قال سبحانه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4].

فالطهارة هي الحالة المناسبة للتلقي من الملأ الأعلى، وهي ألصق شيء بهذه الرسالة، وهي ضرورة لملابسة الإنذار والتبليغ.

ومزاولة الدعوة في وسط التيارات والأهواء تحتاج من الداعية إلى الطهارة الكاملة كي يملك استنقاذ الملوثين دون أن يتلوث.

ويوجهه كذلك إلى هجران الشرك، وموجبات العذاب كما قال له سبحانه: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 5].

ويوجهه كذلك إلى إنكار ذاته، وعدم المن بما يقدمه من الجهد، أو استكثاره واستعظامه كما قال سبحانه: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدثر: 6].

وهو - صلى الله عليه وسلم - سيقدم الكثير، وسيبذل الكثير، وسيقوم بالكثير من الجهد والتضحية والعناء، ولكن ربه يريد منه ألا يظل يستعظم ما يقدمه، ويستكثره ويمتن به.

وهذه الدعوة لا تستقيم في نفس تحس بما تبذل فيها، فالبذل فيها من الضخامة بحيث لا تحتمله النفس إلا حين تنساه، بل حين لا تستشعره من الأصل؛ لأنها مستغرقة في الشعور بالله، شاعرة بأن كل ما تقدمه هو من فضله ومن عطاياه، فهو فضل يمنحها الله إياه، وعطاء يختارها له، ويوفقها لنيله.

وهو اختيار واصطفاء وتكريم، يستحق الشكر لله لا المن والاستكثار.

وأخيراً يوجهه الله إلى الصبر لربه كما قال له: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)} [المدثر: 7].

والصبر وصية الله لكل رسول، وهي الوصية التي تتكرر عند كل تكليف بهذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015