الرسالة كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)} [الأحزاب: 45 - 47].
والمكذبون للرسل لهم طبيعة واحدة، وجبلة واحدة، يستقبلون بها الحق والرسل: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)} [الذاريات: 52، 53].
وما تواصوا بشيء لأنهم لم يلتقوا، وإنما هي طبيعة الطغاة والطغيان وتجاوز الحق في كل جيل.
والله جل جلاله يوجه الأنبياء وأتباعهم ألا يحفلوا بهؤلاء المكذبين، وأن يستمروا بالتذكير مهما أعرض المعرضون، وكذب المكذبون: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات: 54، 55].
فالتذكير هو وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم، والهدى والضلال خارجان عن هذه الوظيفة، والأمر فيها لله وحده لا شريك له.
والله عزَّ وجلَّ أرسل رسله بالبينات والبراهين، وأنزل معهم الكتاب والميزان لتحقيق العبودية لله رب العالمين كما قال سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} [الحديد: 25].
فكل الرسالات جاءت رحمة من رب العالمين لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزاناً ثابتاً ترجع إليه البشرية لتقويم الأعمال، والأحداث، والأشياء، والرجال، والنساء، وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء، واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع.
ميزاناً عادلاً لا يحابي أحداً؛ لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع، ولا يحيف على أحد؛ لأن الله رب الجميع.