إن في إهلاك المكذبين الأولين عظة لمن يتدبر، فما بال الإنسان يرى مصارع الظالمين المخزية، ثم يسير مندفعاً في ذات الطريق والغرور يملي له؟.
إن جميع الخلق عائدون إلى الله، وليسوا بمتروكين ولا مفلتين من حساب الله بعد حين: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)} [يس: 31، 32].
إن العجب من أن يكون الرسول بشراً قاله كل قوم، وتعللوا به منذ بدء الرسالات، وتكرر إرسال الرسل من البشر، وظل البشر مع هذا يكررون الاعتراض.
ومن البلاء أن يكون أوجب شيء وأقربه إلى أن يكون هو الذي كان دائماً موضع العجب، فأي سفه فوق هذا؟.
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)} [الإسراء: 94، 95].
فما المانع أن يكون الرسول من البشر، يدرك كيف يفكر الناس، ويعرف ما يستطيعه البشر وما لا يستطيعونه من جهد وعمل، يعيش بينهم، ويكون قدوة لهم، وتكون لهم فيه أسوة، وهم يحسون أنه واحد منهم، بشر منهم، من جيلهم خرج، وبلسانهم يتكلم، يعرفون لغته، ويفهمون عنه، ويتجاوبون وإياه.
ومن ثم لا تقوم بينه وبينهم جفوة لاختلاف جنسه، أو اختلاف لغته، أو اختلاف طبيعة حياته، أو تفصيلات حياته.
فلم العجب مما خلافه هو العجب: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)} ... [ص: 4].
والرسول - صلى الله عليه وسلم - شاهد على هذه البشرية التي أرسل إليها، يشهد أنه بلغها ما أمر به، وأنها استقبلته بما استقبلت به، وأنه كان منها المؤمنون، ومنها الكافرون، ومنها المنافقون، وكان منها الصالحون، ومنها المفسدون، فيؤدي الشهادة كما أدى