فاستهانوا بهما وكذبوهما لبشريتهما، فأما آيات الله التي معهما، وسلطانه الذي بأيديهما، فكل هذا لا إيقاع له في مثل تلك القلوب المطموسة، سببه انقطاع الصلة بين قلوب هؤلاء الكفار الكبراء المترفين وبين الوحي الإلهي الذي يصل الإنسان بخالقه الكريم.
ومن رحمة الله بالبشرية أن أرسل إلى كل قوم رسولاً منهم، ولكن كفار مكة اعترضوا عليه: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)} [الفرقان: 7، 8].
إنه يمشي في الأسواق ليكسب رزقه، فهلا كفاه الله ذلك، وحباه بالمال الكثير من غير كد ولا عمل، أو ألقى إليه كنز يغنيه عن السعي، أو تكون له جنة يأكل منها، هذا ما قالوه.
والله سبحانه لم يرد للأنبياء أشياء تشغلهم عما أرسلهم الله به، فلم يرد لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون له كنز، ولا أن تكون له جنة؛ لأنه سبحانه أراد أن يكون قدوة كاملة لأمته.
ينهض بتكاليف رسالته العظيمة الهائلة، ويسعى في الوقت ذاته في طلب رزقه كما يسعى رجل من أمته.
وقد انهال المال بعد الهجرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يدع هذا المال يشغله أو يعطله عن إبلاغ رسالة ربه، فأنفقه في وجوه البر والخير، وكان فرحه بإنفاقه أعظم من فرح الآخذ له.
وكان - صلى الله عليه وسلم - كالريح المرسلة في جوده، وكان أجود ما يكون في رمضان، وذلك ليستعلي على فتنة المال، ويرخص من قيمته في النفوس.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ