ولكن أين هي الدعوة؟.
وما الذي عاد إليها من هجران المكذبين المعارضين؟.
إن الداعية أداة في يد الله، والله أرعى لدعوته وأحفظ، فليؤد هو واجبه في كل ظرف، وفي كل جو، والبقية على الله، والهدى هدى الله: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)} [الأنعام: 35، 36].
وقد أعطى الله عزَّ وجلَّ كل نبي قوتين:
قوة الدعوة .. وقوة الدعاء.
وبحسب قوة الدعاء والاستجابة والاستقامة تكون سرعة إجابة الدعاء كما قال سبحانه: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء: 89، 90].
فهم كانوا يسارعون في الخيرات فسارع الله في استجابة الدعاء الصادر منهم، وهم يدعون ربهم رغبة في رضوانه، ورهبة من غضبه، وقلوبهم وثيقة الصلة بالله، وهم خاشعون لا متكبرون ولا متجبرون.
بهذه الصفات وبهذا اليقين وبهذا العمل استحق زكريا وزوجه أن ينعم عليهما بالابن الصالح يحيى، فكانت أسرة مباركة تستحق رحمة الله ورضاه.
وأحب شيء إلى الأنبياء والرسل أن يجتمع الناس على الدعوة، وأن يدرك الناس ما جاءوا به من عند الله فيتبعوه، وأن يؤمنوا بربهم ويعبدوه.
ولكن العقبات في طريق الدعوة كثيرة، والرسل بشر أجلهم محدود، وهم يحسون هذا ويعلمونه، فيتمنون لو يجذبون الناس إلى دعوتهم بأسرع طريق: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} [الكهف: 6].