وقد أرسل الله يونس - صلى الله عليه وسلم - إلى قرية نينوى فدعا أهلها إلى الله فاستعصوا عليه، فضاق بهم صدراً، وغادرهم مغاضباً، ولم يصبر على معاناة الدعوة معهم، ظاناً أن الله لن يضيق عليه الأرض فهي فسيحة، والأقوام متعددون، والقرى كثيرة.

وقاده غضبه إلى شاطئ البحر فوجد سفينة مشحونة فركب فيها مع الركاب، حتى إذا كانت في لجة البحر ثقلت، فقال ربانها إنه لا بد من إلقاء أحد ركابها في البحر لينجو سائر من فيها من الغرق، فساهموا فجاء السهم على يونس، فألقوه فالتقمه الحوت مباشرة بأمر الله واستلمه وضيق عليه أشد الضيق.

فلما كان يونس في الظلمات، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، نادى ربه كما قال سبحانه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء: 87].

إن الدعوة إلى الله هي أم الأعمال، وأجورها أعظم الأجور، فلا بدَّ لأصحابها أن يتحملوا تكاليفها، وأن يصبروا على التكذيب بها، والإيذاء من أجلها:

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60].

وتكذيب الصادق الواثق مرير على النفس حقاً ولكنه بعض تكاليف الرسالة، فلا بدَّ من الصبر والتأني والرفق والحلم مهما واجه الداعية من الإنكار والتكذيب والعتو والجحود: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)} [الأنعام: 33].

ولا بدَّ من استحياء القلوب بكل وسيلة، ولا بدَّ من محاولة العثور على العصب الموصل، ولمسة واحدة قد تحول الإنسان تحويلاً تاماً من الشر إلى الخير، ومن الظلام إلى النور: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)} [الحديد: 17].

إنه من السهل على صاحب الدعوة أن يغضب؛ لأن الناس لا يستجيبون لدعوته، فيهجر الناس، إنه عمل مريح قد يهدأ به الغضب، وتهدأ الأعصاب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015