وقسراً لحل بهم الهلاك كما قال سبحانه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)} [الإسراء: 76، 77].
وقد جعل الله عزَّ وجلَّ هذه سنة جارية لا تتحول؛ لأن إخراج الرسل كبيرة تستحق التأديب الحاسم الفوري.
وهذا الكون تصرفه بأمر الله سنن مطردة لا تتحول أمام اعتبار فردي، فلما لم يرد الله أن يأخذ قريشاً بعذاب الإبادة كما أخذ المكذبين من قبل لحكمة يعلمها لم يرسل الرسول بالخوارق، ولم يقدر أن يخرجوه عنوة، بل أوحى الله إليه بالهجرة، ومضت سنة الله في طريقها لا تتحول.
وصاحب الدعوة غني بربه، يعلم أن مولاه ناصره ولا بدّ، ولا يمكن أن يستمد السلطان إلا من الله، ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله، ولا يمكن أن يستظل بحاكم أو ذي جاه لينصره ويمنعه ما لم يكن اتجاهه قبل ذلك إلى الله.
والدعوة قد تغزو قلوب ذوي السلطان والجاه فيصبحون لها جنداً وخدماً فيفلحون، ولكنها هي لا تفلح إن كانت من جند السلطان وخدمه إلا أن يكون السلطان وخدمه من جندها، فهي من أمر الله، وهي أعلى من ذوي السلطان والجاه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)} [الإسراء: 80].
والله تبارك وتعالى يربي أنبياءه ورسله ويبتليهم؛ لتزكو قلوبهم، ويستعدوا لأعباء الرسالة، سواء كان الابتلاء بتكذيب قومهم لهم وإيذائهم كما في قصة نوح وهود، وصالح وشعيب، وإبراهيم ولوط صلوات الله وسلامه عليهم.
أو كان الابتلاء بالنعمة كما في قصة داود وسليمان، أو كان الابتلاء بالضر كما في قصة أيوب، فلا بدَّ من الصبر على تكاليف الرسالة وأعباء الدعوة وانتظار نصر الله لأوليائه: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} [الأنعام: 34].