والله وحده هو الذي يعلم أين يضع رسالته، ويختار لها الذات التي تصلح أن ترسل من بين كافة البشر: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} [الأنعام: 124].
والذين يتطلعون إلى مقام الرسالة هم أولاً لا يصلحون لهذا الأمر، وهم جهال لا يدركون خطورة هذا الأمر الهائل، ولا يعلمون أن الله وحده هو الذي يقدر بعلمه على اختيار الرجل الصالح.
وقد جعلها الله سبحانه حيث علم، واختار لها أكرم خلقه وأخلصهم، وجعل الرسل هم ذلك الرهط الكريم من لدن نوح حتى انتهت إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - خير خلق الله، وخاتم النبيين: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)} [الحج: 75، 76].
وحياة الرسل والأنبياء وأتباعهم مملوءة بالابتلاء، وذلك لتربية قلوبهم على اليقين والصبر، لتتوجه إلى الله في جميع الأحوال كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل من أشد الناس بلاء؟ فقال: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» أخرجه الترمذي وابن ماجه (?).
وكم تبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل وهم يواجهون الكفار والمشركين، وأهل الإصرار والجحود، والعمى وأهل العناد.
وتمر عليهم الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم أحد إلا القليل، وتكر الأعوام والباطل في قوته وكثرة أهله، والمؤمنون في عدتهم القليلة وقوتهم الضئيلة.