ومزاج الراعي أنه يعيش جل وقته في خدمة الغنم وحفظها، وبذل المنافع لها، وكذلك الداعي يعيش كل وقته من أجل هداية البشر إلى الصراط المستقيم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].
وفي طور سيناء علم الله موسى التربية الإيمانية بقسميها النظري والعملي.
فالنظري كما كلم الله موسى - صلى الله عليه وسلم - عند الشجرة، وبين الله له أنه الإله الذي لا إله غيره، وأمره بعبادته وطاعته، وأن الناس راجعون إلى ربهم، وسيحاسبهم على ما عملوا يوم القيامة، وحذره من ترك ما أمر به، ومن طاعة أهل الكفر والأهواء فقال سبحانه: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)} [طه: 12 - 16].
ثم علم الله موسى - صلى الله عليه وسلم - الإيمان عملياً فقال له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)} [طه: 17،18].
فالله سبحانه أراد أن يعلم موسى - صلى الله عليه وسلم - معنى لا إله إلا الله عملياً، فأمره بإلقاء عصاه، فلما ألقاها جاءها أمر الله فوراً فتحولت بأمر الله إلى حية: {قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)} [طه: 19،20].
فأمره الله بإلقائها وهي نافعة، ثم أمره بأخذها وهي ضارة، تدريباً له على الإيمان وتمام الطاعة، ليعلم أن كل شيء بيد الله: {قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)} [طه: 21].
وآية أخرى يراها تجري عملياً ليعلم بها قدرة الله في التصرف في الأشياء وتبديل أحوالها فوراً: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)} [طه: 22].