فموسى - صلى الله عليه وسلم - اصطنعه الله لنفسه، واصطفاه على الناس بالرسالة والتكليم، ورباه على الإيمان والتوحيد، ثم أرسله إلى فرعون، ولكن تلقى قبل ذلك ثلاثة أنواع من التربية وهي:
التربية البدنية .. والتربية الأخلاقية .. والتربية الإيمانية.
فموسى - صلى الله عليه وسلم - رباه الله في قصر فرعون، وعاش حياة القصور، ورأى الإسراف في ألوان الطعام، وتعلم هناك التربية البدنية، ولذا لما ضرب القبطي ضربة قتله كما قال سبحانه: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)} [القصص: 15].
وفقأ عين ملك الموت، ورفع الصخرة عن البئر وحده في مدين.
وفي مدين رباه الله على حسن الأخلاق مع البهائم، ليتدرب على حسن الأخلاق مع الناس، فرعى الغنم عشر سنوات في مدين، وما من نبي إلا ورعى الغنم، وفي ذلك حكمة بالغة:
فمزاج الغنم الانتشار لتحصيل المنافع، وكذلك الداعي مزاجه الانتشار لنشر الهداية، ومزاج الراعي جمع الغنم على الماء والكلأ، ومزاج الداعي جميع الأمة على الدين والهدى.
ومزاج الراعي الصبر على الغنم، والشفقة عليها، والرفق بها، ورحمتها والعناية بها، وكذلك الداعي مزاجه الصبر على الأذى من الناس، والشفقة عليهم من عذاب الله، ورحمتهم والإحسان إليهم.
والراعي يورد الغنم أماكن الماء والعشب والكلأ، ويجنبها ما يتعبها ويشق عليها، وكذا الداعي مزاجه السير بالأمة في سبل النجاة والهدى، وإبعادها عن مواطن الهلكة والردى.
والبيئة مؤثرة، فالذي يرعى الإبل تأتي فيه صفة الكبر، والذي يرعى الغنم تأتي فيه صفة التواضع، لذلك الذي يكون في المسجد تأتي فيه صفة الملائكة الذين: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].