أنه اكتسب بتركها الدرجات.

وكذلك يشاهد تفرد الله وحده بالعطاء والمنع، فما أخذه فهو مجرى لعطاء الله إياه، وما تركه فالله سبحانه وتعالى هو الذي منعه منه، فيطمئن بذلك عن شهود كسبه وتركه.

والزهد على أربعة أقسام:

أحدها: زهد فرض على كل مسلم وهو الزهد في الحرام، وهذا متى أخل به انعقد سبب العقاب.

الثاني: زهد مستحب، وهو درجات في الاستحباب بحسب المزهود فيه، وهو الزهد في المكروه، وفضول المباحات، والتفنن في الشهوات.

الثالث: زهد المشمرين في السير إلى الله، وهو نوعان:

أحدهما: الزهد في الدنيا جملة، وليس المراد إخلاء اليد منها وقعوده صفراً منها، وإنما المراد إخراجها من قلبه بالكلية، فلا يلتفت إليها، ولا يدعها تساكن قلبه وإن كانت في يده، فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي في يدك كحال الأنبياء والمرسلين والخلفاء الراشدين، فليس الزهد في المال، وإنما الزهد فراغ القلب عنه، ولقد كان سليمان - صلى الله عليه وسلم - في ملكه من الزهاد.

الثاني: الزهد في النفس، وهو أصعب الأقسام وأشقها، وأكثر الزاهدين إنما وصلوا إليه ولم يلجوه.

فالزاهد يسهل عليه الزهد في الحرام لسوء مغبته، وقبح ثمرته، وحماية لدينه، وإيثاراً للذة، والنعيم على العذاب، وأنفة من مشاركة الفساق والفجرة، وحمية من أن يستأسره عدوه.

ويسهِّل على الإنسان الزهد في المكروهات وفضول المباحات علمه بما يفوته بإيثارها من اللذة والسرور الدائم، والنعيم المقيم.

ويسهِّل عليه الزهد في الدنيا معرفته بما وراءها، وما يطلبه من العوض التام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015