والمطلب الأعلى.
وأما الزهد بالنفس فهو ذبحها بغير سكين وهو نوعان:
أحدهما: أن تميتها فلا يبقى لها عندك من القدر شيء، فلا تغضب لها، ولا ترضى لها، ولا تنتصر لها، ولا تنتقم لها.
قد سبَّلت عرضها ليوم فقرها، فهي أهون عليك من أن تنتصر لها، أو تنتقم لها، أو تجيبها إذا دعتك.
وهذا هو عين حياتها وصحتها، ولا حياة لها بدون هذا البتة.
وهذه العقبة هي آخر عقبة يشرف منها الإنسان على منازل المقربين، ويخلص من سجون المحن والبلاء، وأسر الشهوات، وتتعلق بربها ومعبودها ومولاها الحق، فيا قرة عينها وسرورها بقربه، ويا بهجتها بالخلاص من عدوها، واللجوء إلى مولاها الحق، ومالك أمرها، ومتولي مصالحها.
الثاني: أن يبذل نفسه للمحبوب مولاه جملة، بحيث لا يستبقي منها شيئاً، بل يزهد فيها زهد المحب في قدر خسيس من ماله، قد تعلقت رغبة محبوبه به.
فهكذا زهد المحب الصادق في نفسه قد خرج عنها وسلمها لربه.
وجميع مراتب الزهد السابقة مبادٍ ووسائل لهذه المرتبة.
وإذا أراد الله بعبد خيراً أزهده في الدنيا، وفقهه في الدين، وبصره بعيوبه، والزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس المرقعات.