{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)} [الشعراء: 205 - 207].

وقال سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)} [الأحقاف: 35].

والزهد المشروع ثلاث درجات:

الأولى: الزهد في الشبهات بعد ترك المحرمات، وهو ترك ما يشتبه على العبد هل هو حلال أو حرام؟، حذراً من توجه عتب الله عليه، وأنفاً من نقصه عند ربه، وسقوطه من عينه، وسقوطه من أعين الناس؟.

الثانية: الزهد في الفضول من الطعام، والشراب، واللباس، والسكن، والمنكح.

فيكفيه البلغة، ويزهد فيما وراء ذلك؛ اغتناماً لتفرغه لعمارة وقته فيما يقرب إلى الله، أو يعينه على ذلك من مأكل ومشرب ونحوهما.

فإنه إذا أخذها بنية القوة على ما يحبه الله كانت من عمارة الوقت، فإن اللذة عند أهل العقول تذكر باللذة، والفرح يذكر بالفرح، والسرور يذكر بالسرور الأخروي.

فيزهد في الفاني، وينشط للباقي، ولا يلتفت إلى الدنيا في حالتي مباشرته لها وتركه، كالأنبياء والصديقين فهم الزاهدون حقاً، فهم زاهدون فيها وإن كانوا لها مباشرين.

الثالثة: الزهد في الزهد، فمن امتلأ قلبه بمحبة الله وتعظيمه لا يرى أن ما تركه لأجله من الدنيا يستحق أن يجعل قرباناً.

فالدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فيستحي أن يذكره أو يعتد به، ويستوي عنده ترك ما زهد فيه وأخذه، إذ ليس له عنده قدر، فيكون زاهداً فيه في حال أخذه كما هو زاهد في حال تركه، إذ همته أعلى من ملاحظته أخذاً وتركاً لصغره في عينه، فمن استصغر الدنيا بقلبه واستوى أخذها وتركها عنده، لم ير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015