وبعد هذا العتاب تكشف الجانب الآخر من طبيعة هذا الإنسان، وهو أنه ينسى ويخطئ، إن فيه ضعفًا يدخل منه الشيطان، إنه لا يلتزم دائمًا، ولا يستقيم دائمًا، ولكنه يدرك خطأه، ويعرف زلته، ويندم على معصيته.
ويطلب العون من ربه والمغفرة، إنه يتوب ولا يلج في المعصية كالشيطان، ولا يكون طلبه من ربه هو العون على المعصية، إنه يعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بعون الله ورحمته، وإلا كان من الخاسرين.
فماذا قال آدم وزوجه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23].
قالا: فعلنا الذنب الذي نهيتنا عنه، وظلمنا أنفسنا باقتراف الذنب، وقد فعلنا سبب الخسار إن لم تغفر لنا بمحو أثر الذنب وعقوبته، وترحمنا بقبول التوبة والمعافاة من أمثال هذه الخطايا، فغفر الله لهما ذلك، وتاب عليهما: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)} [طه: 121، 122].
وهنا تكون التجربة الأولى .. والامتحان الأول .. والتربية الكبرى .. قد تمت .. وتكشفت خصائص الإنسان الكبرى .. وعرفها آدم وذاقها .. وذاق ألم عقوبتها.
واستعد بهذا التنبيه، وهذا الامتحان، لمزاولة اختصاصه في الخلافة في الأرض، وللدخول في المعركة التي لا تهدأ أبدًا مع عدوه الشيطان، الذي كشر عن عداوته من قبل، وهو مستمر على طغيانه، غير مقلع عن عداوته وعصيانه.
وبعد ذلك جاء أمر الله لآدم وإبليس.
{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)} [الأعراف: 24، 25].
لقد أهبطوا جميعًا إلى الأرض، آدم وزوجته، وإبليس وقبيله، هبطوا ليصارع بعضهم بعضًا، ويعادي بعضهم بعضًا، ويجاهد بعضهم بعضًا، ولتدور المعركة بين طبيعتين وخليقتين مختلفتين:
إحداهما ممحضة للشر.