وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
وأما الطبيعتان الأخريان، الإنسان والشيطان، فلهما شأن آخر.
فأما إبليس فجعل له رأيًا مع النص، وجعل لنفسه حقًا في أن يحكم نفسه وفق ما يرى، مع وجود الأمر من ربه.
وحين يوجد النص القاطع والأمر الجازم ينقطع النظر، وتتعين الطاعة التامة للآمر سبحانه، ولكن إبليس أبى أن يسجد لربه حين أمره بالسجود: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} [الأعراف: 12].
وإبليس لعنه الله لم يكن ينقصه أن يعلم أن الله هو الخالق المالك الرازق، الذي يدبر الكون ويصرفه، ولا يقع شيء في الوجود إلا بإذنه وقدره، ولكنه لم يطع الأمر كما صدر إليه ولم ينفذه، بمنطق من عند نفسه، فكان جزاؤه العاجل الذي تلقاه لتوه: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)} [الأعراف: 13].
إن علم إبليس بالله لم ينفعه، واعتقاده بوجوده لم ينفعه، وكذلك كل من يتلقى أمر الله، ثم يجعل لنفسه نظرًا في قبوله أو رده.
فإبليس خالف الأمر، وعصى الآمر سبحانه، فكفر وأبى واستكبر، من أجل ذلك طرد الله إبليس من الجنة، وطرده من رحمة الله، وحقت عليه اللعنة، وكتب عليه الصغار: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)} [ص: 77، 78].
ولكن إبليس الشرير العنيد لا ينسى أن آدم هو سبب الطرد والغضب واللعنة له، ولا يستسلم لمصيره البائس دون أن ينتقم منه، ثم ليؤدي وظيفة الشر الذي تمحضت في آدم وذريته.
فماذا قال إبليس لربه؟: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)} [الأعراف: 14، 15].
لقد سأل إبليس ربه أن ينظره إلى يوم البعث، وهو يعلم أن هذا الذي يطلبه لا