وقد خلق الله عزَّ وجلَّ آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وصوره في أحسن تقويم، وأعطاه خصائصه الإنسانية عند خلقه، وذلك كله تشريفًا له على غيره من المخلوقات.

وأعلن الله بذاته العلية الجليلة العظيمة، ميلاد هذا الكائن الإنساني، في مجمع حافل بالملأ الأعلى من الملائكة، ومعهم إبليس، كما قال سبحانه: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)} [ص: 71 - 74].

وإبليس من الجن لا من الملائكة كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} [الكهف: 50].

والجن خلق غير الملائكة .. فالملائكة خلقهم الله من نور .. والجن خلقهم الله من نار .. والبشر خلقهم الله من تراب.

فأما الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فقد سجدوا مطيعين منفذين لأمر الله، هذه طبيعتهم، وهذه وظيفتهم.

وبهذا السجود من الملائكة ظهرت كرامة آدم على الله، كما ظهرت الطاعة المطلقة من الملائكة، فسجدوا لآدم إكرامًا واحترامًا، وإظهارًا لفضل آدم.

وأما إبليس فقد امتنع عن تنفيذ أمر الله سبحانه، وهو يعلم أن الله ربه وخالقه، ومالك أمره، وأمر الكون كله.

فهذه ثلاثة نماذج من خلق الله.

أهل الطاعة المطلقة والتسليم التام لله، وهم الملائكة.

وأهل العصيان المطلق والاستكبار المقيت، وهم إبليس وذريته.

وطبيعة ثالثة هي الطبيعة البشرية، وهم آدم وذريته.

فأما الطبيعة الأولى فهي خالصة لله بالتسليم المطلق: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015