فليس للعبد غير باب سيده وفضله وإحسانه، وأن سيده إن تخلى عنه وأهمله هلك، لأنه ليس له من يعوذ به ويلوذ به غير سيده، وهو عبد مربوب مدبر مأمور منهي، يتصرف بحكم العبودية لا بحكم الاختيار لنفسه، وليس عند العبد عمل إلا تنفيذ أوامر سيده، والعمل بما يرضيه.
فهؤلاء هم عبيد الطاعة الذين آمنوا بربهم، وهم المضافون إليه سبحانه في قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)} [الإسراء: 65]
ومن عداهم عبيد القهر والربوبية وهم الكفار، وشأنهم شأن الملوك والأحرار، وإضافتهم إليه كإضافة سائر المخلوقات إليه، وهي إضافة مبنية على الملك والاقتدار. لا على الطاعة والامتثال.
والعبد حقاً من يعبد ربه في جميع أحواله:
فيكون عبداً مطيعاً من جميع الوجوه صغيراً أو كبيراً، غنياً أو فقيراً، معافىً أو مبتلى، بالقلب واللسان والجوارح.
فالعبد وما يملك لسيده ومولاه، لا يتصرف إلا بأمره، وكيف يكون له في نفسه تصرف، ونفسه بيد ربه، وناصيته بيده، وقلبه بين إصبعين من أصابعه.
وموته وحياته، وسعادته وشقاوته، وعافيته وبلاؤه، كله إليه سبحانه، ليس إلى العبد منه شيء، بل هو ومن في العالم العلوي والسفلي في قبضته سبحانه، فكيف يرجو أو يخاف غيره؟.
فمن شهد ذلك صار فقره وضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له، ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم، ولم يعلق أمله ورجاءه بهم، فاستقام توحيده وتوكله وعبوديته ومعرفته.
ومعرفة الله نوعان:
الأولى: معرفة إقرار: وهي التي اشترك فيه جميع الناس، المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمطيع والعاصي: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم: 30]