عائذ برضاه من سخطه، وبعفوه من عقوبته، وبه منه، مستجير وملتجئ إليه.

يعلم يقيناً أنه إذا تخلى عنه، وخلى بينه وبين نفسه، وقع في أمثالها أو شر منها، وأنه لا سبيل إلى الإقلاع عنها والتوبة منها إلا بتوفيقه سبحانه وإعانته، وأن ذلك كله بيده سبحانه لا بيد غيره.

ويستيقن أنه أعجز وأضعف وأقل من أن يوفق نفسه، أو يأتي بما يرضي سيده بدون إذنه ومشيئته وإعانته.

فهو ملتجئ إليه، ملق نفسه بين يديه، يعلم أن الخير كله بيديه، وأنه ولي نعمته، أعطاها له بدون سؤال، وابتدأه بها من غير استحقاق، وأجراها عليه، وساقها إليه، مع تبغضه إليه بإعراضه وغفلته ومعصيته، فحظه وحقه سبحانه الحمد والشكر والثناء، وحظ العبد الندم والنقص والعيب والتقصير.

فالحمد كله لله رب العالمين، والفضل كله منه، والمنَّة كلها له، والخير كله في يديه.

فمنه سبحانه الإحسان، ومن العبد الإساءة، ومنه التودد إلى العبد بنعمه، ومن العبد التبغض إلى ربه بمعاصيه.

وأما عبودية النعم: فمعرفتها والاعتراف بها أولاً، وعدم إضافتها إلى سواه وإن كان سبباً، فهو مسببه ومقيمه، فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار، ثم الثناء بها عليه، ومحبته عليها، وشكره باستعمالها في طاعته.

ومن لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلها عليه .. ويستقل كثير شكره عليها .. ويعلم أنها وصلت إليه من سيده من غير ثمن بذله فيها .. وأنها لله لا للعبد .. فلا تزيده النعمة إلا انكساراً وذلاً وتواضعاً ومحبة للمنعم .. وكلما جدد الله له نعمة أحدث لها عبودية ومحبة، وخضوعاً وذلاً .. وكلما أحدث له قبضاً أحدث له رضىً .. وكلما أحدث العبد ذنباً أحدث له توبة وانكساراً واعتذاراً.

فهذا هو العبد الكيِّس: الذي عرف أن مولاه واحد، بيده كل شيء، ومنه كل شيء، فأحبه وتولاه، ولزم بابه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015