والثانية: معرفة توجب الحياء من الله، والمحبة له، وتعلق القلب به، والشوق إليه، والأنس به، ومحبته، والإنابة إليه، والفرار من الخلق إليه.
وهذه أعلى المعارف وأعظمها، وتفاوت الخلق فيها لا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه، وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم.
وكل يعبد الله ويطيعه ويتلذذ بذلك بحسب تلك المعرفة، وما كشف له منها، وقد قال أعرف الخلق به: «لا أحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» أخرجه مسلم (?).
وأشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور في القلوب، وتفاوت أهلها في ذلك النور لا يحصيه إلا الله عزَّ وجلَّ.
فمن الناس من نور (لا إله إلا الله) في قلبه كالشمس .. ومنهم من نورها في قلبه كالقمر .. ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري .. ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم .. ومنهم من نورها في قلبه كالسراج المضيء .. وآخر كالسراج الضعيف .. وهكذا.
ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار، بحسب ما في قلوب المؤمنين من نور هذه الكلمة.
وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معه شبهة، ولا شهوة، ولا ذنباً إلا أحرقه، وهذا حال الصادق في توحيده الذي لم يشرك بالله شيئاً.
فأي شبهة، أو شهوة أو ذنب أو معصية دنت من هذا النور أحرقها، فسماء إيمانه قد حرست من كل سارق لحسناته، فلا ينال منها السارق إلا عند غفلته، فإذا استيقظ وعلم ما سرق منه استنقذه من سارقه، أو حصل أضعاف مكسبه.