ولكن الاقتحام الحقيقي للأرض لم يتم بالطرق السلمية ولا حتى عن طريق التسلل والشراء، فالصندوق القومي اليهودي لم يتمكن خلال 45 عاماً (من تاريخ تأسيسه حتى عام 1947) من الحصول إلا على 3.9% من مساحة فلسطين، بينما نجد أن الهاجاناه (وشتيرن والإرجون) قد استولت في أقل من عام واحد (1948) على مساحة قدرها 76% من مجموع مساحة البلاد.

2 ـ اقتحام العمل:

لو كان الاستعمار الصهيوني استعماراً استيطانياً وحسب، لاكتفى باقتحام الأرض ولكنه استعمار استيطاني إحلالي، ولذا لم يكن هناك مفر من البحث عن أداة أخرى لتحقيق الإحلال، وقد وجد الصهاينة ضالتهم المنشودة في مفهوم اقتحام العمل. وفي إحدى مؤتمرات العامل الفتي، أكد جوزيف واتكين أن اقتحام الأرض واقتحام العمل صنوان لا يفترقان، يكمل الواحد منهما الآخر. وكلا المفهومين يعود في الأصل إلى المفكر الصهيوني العمالي الحلولي جوردون الذي كان يرى أن اليهودي في الدياسبورا يقوم بأعمال كتابية وحسابية ومالية، ولذا فهو يحيا حياة مُشوَّهة ينقصها الانفعال والإبداع، كما أنه لا يتمتع بأية سيادة ولا مشاركة في صنع القرارات التي تؤثر في حياته. ولذا، يجب على اليهودي أن يعود للأرض لا ليملكها فحسب وإنما ليشتغل فيها بالأعمال اليدوية الشاقة ويقهرها حتى يصبح هو نفسه محتلاًّ من قبَل العمل اليدوي. والعمل اليدوي هو إحدى وسائل الرجوع إلى عالم الطهارة والحواس والطبيعة ووسيلة الاتحاد الصوفي بها. ولذا يجب أن يعمل العامل اليهودي من أجل العمل ذاته، وهو بهذا سيطبّع نفسه ويتخلص من هامشيته وطفيليته ويحل إشكالية الهرم الطبقي اليهودي المقلوب إذ يصبح هناك عمال وفلاحون ومن ثم يكتمل تكوين الشعب اليهودي، كما أنه سيحل إشكالية العجز وانعدام السيادة وعدم المشاركة في السلطة إذ أن هذا الشعب اليهودي الذي اقتحم العمل وأكمل تكوينه الطبقي يمكنه أن يؤسس دولة ذات سيادة يمارس اليهود من خلالها صنع القرار ويتحكمون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015