ولعل أكبر دليل على أن الحركة التعاونية الصهيونية ضرورة حتَّمها الاستيطان الإحلالي فحسب، دون أي ارتباط بأيديولوجيا أو رؤية اشتراكية إنسانية، هو وجود منظمات تعاونية عمالية وتعاونية تابعة لكل الأحزاب بغض النظر عن انتمائها الديني أو الطبقي أو الفكري، بل توجد مدرسة تلمودية/ناحال في إسرائيل، أي مدرسة تلمودية تأخذ شكل مستوطنة زراعية تعاونية عسكرية.
ويعكس الهستدروت في تركيبه الشامل التعاوني الرأسمالي بنية الحركة التعاونية الصهيونية وجذورها التاريخية، فهو تنظيم نقابي ولكنه في الوقت نفسه أكبر رأسمالي في إسرائيل. ومما هو جدير بالذكر أن هذه الحركة التعاونية آخذة في الاختفاء والضمور التدريجي بعد أن أدَّت غرضها، بينما القطاع الخاص من الاقتصاد آخذ في التوسُّع على حسابها.
اقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج
Conquest of Soil, Labour, Guarding, and Production
«اقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج» مجموعة من المفاهيم الصهيونية العمالية المترابطة التي تشكل عصب الأيديولوجية الصهيونية العمالية:
1 ـ اقتحام الأرض:
كان مفهوم اقتحام الأرض أحد الأسس التي يستند إليها البرنامج الصهيوني الاستيطاني، وهو مفهوم ينادي بالاستيلاء على أرض فلسطين واستغلالها حتى يمكن إنقاذها من أيدي الأغيار وبناء المستعمرات اليهودية. وعن طريق غزو الأرض يُطهِّر اليهودي نفسه من طفيليته التي كانت تسمه كشخصية هامشية تعمل بالتجارة والربا في الدياسبورا (أي في أنحاء العالم) ، حيث كان يعيش منفياً محرماً عليه ـ حسب التصوُّر الصهيوني ـ العمل في الزراعة والاحتكاك بالطبيعة ومصادر الحياة. فاقتحام الأرض لم يكن الدافع إليه اقتصادياً فحسب وإنما كان نفسياً أيضاً.