تنبع رؤية الصهاينة للتاريخ من عنصرين أساسيين، أحدهما عقائدي والآخر تاريخي، أولهما الحلولية اليهودية بكل ما تحوي من مزج بين العناصر المطلقة والنسبية، وبكل ما تخلعه على الشعب اليهودي من مطلقية. وثانيهما التجربة التاريخية ليهود شرقي أوربا كجماعة وظيفية. فقد ساهمت هذه التجربة في إعطاء ما يشبه الأساس الواقعي أو التاريخي للرؤية الصهيونية للتاريخ اليهودي، أي باعتباره كياناً مستقلاً. هذا كله أوهم المفكرين الصهاينة بأن لليهود تاريخهم اليهودي المستقل عن التاريخ العام الذي يحيط بهم، وأنساهم أن استقلالية اليهود نفسها إحدى سمات المجتمع الإقطاعي في كلٍّ من روسيا وبولندا، وأن الجيتو اليهودي المستقل هو في نهاية الأمر نتاج للبناء التاريخي الأساسي الروسي أو البولندي، إذ أن الذي يحكم ظهور وسقوط الجيتو أو الأشكال الإدارية اليهودية المستقلة الأخرى ليس الإرادة اليهودية المستقلة وإنما حركة التاريخ الروسي أو البولندي ومجموعة من العناصر المركبة يشكل أعضاء الجماعة اليهودية جزءاً منها وحسب.