ويمكن أن نقول إن الرؤية الصهيونية للتاريخ لا تختلف في بنيتها عن الرؤية الحلولية الواحدية اليهودية له، ولكن هناك فارقاً واحداً هو أن الرؤية الصهيونية هي الرؤية الحلولية نفسها بعد أن تمت علمنتها، أي أنها حلولية بدون إله (أو وحدة وجود مادية) . فتاريخ اليهود، حسب تصور مارتن بوبر، هو تاريخ يتدخل (أي يحل) فيه الرب بشكل مستمر، ولذا أصبحت جماعة إسرائيل أمة ومجتمعاً دينياً في آن واحد، ولا تزال جماعة إسرائيل شعباً ومجتمعاً دينيًا (قومياً ومقدَّساً) حتى وقتنا هذا. ويفرق بوبر بين التاريخ، أي التجربة التي تعيشها الأمم، والوحي، وهي التجارب الخصوصية التي يعيشها الأعضاء الذين يُطلَق علىهم مصطلح «أنبياء» . وحينما يتحول الوحي إلى أفكار تفهمها الجماهير وتؤمن بها، فإنه يصبح عقائد. هذا هو الوضع بالنسبة لسائر الأمم. أما بالنسبة لجماعة إسرائيل، فالأمر جدُّ مختلف، إذ أن ثمة تطابقاً كاملاً بين الوحي والعقيدة والتاريخ. فجماعة إسرائيل تتلقى تجربتها الدينية الحاسمة على مستوى الشعب كله، لا على مستوى الأنبياء وحسب (وهو ما يعني في واقع الأمر أن أعضاء جماعة إسرائيل كلهم أنبياء) . ومن ثم، فإن مجتمع إسرائيل ككل يعيش التاريخ والوحي باعتبارهما ظاهرة واحدة: التاريخ باعتباره وحياً، والوحي باعتباره تاريخاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015