وقد قامت محاولتان داخل اليهودية لمكافحة النزعة المشيحانية المعادية للتاريخ. أولاهما محاولة اليهودية الحاخامية النظر إلى الرموز والعقائد اليهودية القديمة المختلفة، مثل العودة وصهيون والماشيَّح، باعتبارها أموراً ستتحقق بأمر الإله. ومن ثم، فإن فعاليتها تكمن خارج حدود التاريخ، وهو ما يحول التاريخ ذاته إلى رقعة يمارس فيها الإنسان حريته ويجعل اليهود بشراً ككل البشر الذين يعيشون في العالم التاريخي النسبي (رغم كل تطلعاتهم الدينية والروحية) . وقد نجحت المؤسسة الحاخامية بالفعل في كبح النزعات المشيحانية المتفجرة، الناجمة عن الرؤية الحلولية وتَوقُّع المعجزة الربانية ونهاية التاريخ في كل زمان ومكان. فقد تصدت لشبتاي تسفي، ولكل المشحاء الدجالين. أما المحاولة الثانية، فهي المحاولة التي تمت بعد إعتاق اليهود، والتي أخذت شكل فصل الدين عن القومية في اليهودية الإصلاحية، فهي محاولة جوهرها اعتراف بالوجود التاريخي النسبي لليهود مستقلاً عن مطلقاته الدينية. وقد أخذت هذه المحاولة أيضاً شكل الدراسات التاريخية اليهودية التي تحاول أن تصل إلى التاريخ الدنيوي الإنساني فيما يُسمَّى «علْم اليهودية» .

ولكن اليهودية المحافظة قامت بتوظيف الاتجاه التاريخي لحساب الأهداف الصهيونية، فالتراث التقليدي الديني بكل حلوليته تمت علمنته بحيث تحوَّل إلى ميراث تاريخي إنساني دنيوي. ولكنه، مع هذا، لا يفقد شيئاً من قدسيته (فهي حلولية بدون إله) . وأصبح الشعب اليهودي مقدَّساً، لا بسبب إلهه وإنما بسبب تاريخه المقدَّس. والواقع أن الصهيونية امتداد لهذه الرؤية الحلولية للتاريخ التي تحوله من تاريخ مركب يحوي داخله عناصر إيجابية وسلبية، ومن كل متشابك يتجاوز الذات إلى أسطورة بسيطة يمكن توظيفها.

الرؤية الصهيونية للتاريخ

Zionist View of History

طور بواسطة نورين ميديا © 2015