ولكن إلى جوار هذه الجملة الإخبارية المظلمة يضيف فرويد ما يلي: «وهكذا فإن الأنا الواعية [التي تنطوي على الضمير والوعي والإرادة] في علاقتها بالهو [اللاشعور واللبيدو] تشبه رجلاً ممتطياً جواداً عليه أن يكبح جماحه» . والصورة المجازية التي يستخدمها فرويد تحتوي على قدر كبير من الإبهام غير موجود في الجملة الإخبارية. فبعد أن يتحدث عن قوى مجهولة تُسيِّر الإنسان، نجده يشير إلى الهو باعتبارها حيواناً جامحاً، والأنا باعتبارها الإنسان القادر على التجاوز وعلى التحكم بدرجات متفاوتة في الحيوان. والصورة تجعلنا نتعاطف مع الإنسان، فهو إنسان بمقدار استطاعته أن يكبح جماح الحيوان وبمقدار احتفاظه بتوازنه. كما أن الصورة لا تنطوي على فشل المحاولة الحتمي، فإمكانية النجاح إمكانية حقيقية مطروحة. هذا الإبهام الذي يَسم الصورة المجازية ويغيب في الجملة الإخبارية يعبِّر عن تَناقُض عميق داخل فرويد سنجده يتصاعد بحدة في أعماله الأخيرة.

وإلى جانب السبمان الذي تتحكم فيه القوى المظلمة الجامحة هناك دائماً السوبرمان، هذا الكائن الإمبريالي، والذي يأخذ أشكالاً متعددة في المنظومة الفرويدية لعل أهمها المفسر القادر على فك الشفرات وفهم الأسرار. (ولعل اهتمام فرويد بالكوكايين والتنويم المغناطيسي ثم باللاوعي ودوره تعبير عن هذا العقل الإمبريالي الذي يحاول حوسلة العالم بأسره) .

ورؤية فرويد للإنسان، شأنها شأن أية رؤية مادية، رؤية صراعية إلى حد كبير. فهناك بطبيعة الحال رؤيته للعدوان كمحرك أساسي للإنسان، ولذا نجد الصراع في كل مكان: الإنسان في صراع مع الحضارة ـ الأنا في صراع مع الهو ـ الإيروس في صراع مع الثناتوس ـ الأب مع الابن ـ البنت مع الأم ـ الذكر مع الأنثى ـ آليات الدفاع ضد اللبيدو مقابل آليات الاقتحام والالتفاف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015