ولكن التمركز حول الذات يؤدي إلى التمركز حول الموضوع، فمبدأ اللذة ـ حسب تصور فرويد ـ مبدأ كمي، إذ يذهب إلى أن ثمة كماً محدوداً من الطاقة داخل كل فرد (وداخل كل حضارة) إن لم يُستخدَم في مجال ما فإنه يُنقَل إلى مجال آخر، وإن لم يُشبَع بطريقة سوية، فإنه سيجد مسارات أخرى له. ومبدأ اللذة يدفع الإنسان دفعاً لإشباع رغباته الحسية وتحصيل أكبر قدر ممكن من اللذة وأقل قدر من الألم. وكلمتا «رغبة» و «إشباع» قد توحيان بوجود إرادة إنسانية، ولكن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك. فالإنسان كائن سلبي، آلة يسوقها اللبيدو واللاوعي، كائن ملحق بأعضائه الجنسية (على حد قول كارل كاوتسكي) يتلقى المدخلات التي تأتيه من الجسد ومن الواقع. وكل ما يفعله الجهاز النفسي هو أن ينظم نفسه بنفسه لتقليل التوتر الناجم عن تناقض الدوافع الغريزية بعضها مع بعض وبينها وبين الواقع. وهذه الطاقة قوة لم «تتحرر» من الإرادة والوعي الفرديين وحسب ولا من العقل والقيم الأخلاقية والقيمة (كما هو الحال مع الرشد المادي الاقتصادي) وإنما تعاديهم، بل وتشن عليهم هجوماً شرساً لا هوادة فيه.

وإذا كان الإنسان الاقتصادي يسقط في الحتميات الاقتصادية، فهي على الأقل حتميات مفهومة غير مرتبطة بعالم خارج الإنسان وتتبع نموذجاً رياضياً يمكن التنبؤ به، أما إنسان فرويد الجسماني فيسقط في حتميات الجنس المظلمة الكامنة في ذاته ولكنها لا يمكن سبُر غورها أو فهمها. إن الإنسان، حسب الرؤية الفرويدية، كائن غير اجتماعي متمركز حول ذاته تماماً، ولكن الذات التي تمركز حولها يتحكم فيها اللاشعور ويسيِّرها، فهو كائن لا إرادة له، هو سبمان، دون الإنسان، يذعن تماماً لقوانين الطبيعة/المادة الكامنة فيه. وكما يقول فرويد: «إن حياتنا مُسيَّرة التزاماً بقوى مجهولة لا سبيل إلى التحكم فيها» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015