إن الرؤية الفرويدية جزء من حركة تفكيكية تقويضية عامة بدأت في واقع الأمر مع المشروع التحديثي الغربي، وتصاعدت حدتها في القرن التاسع عشر، ثم وصلت إلى قمتها مع الحركة التفكيكية في أواخر القرن العشرين. وكان فرويد يدرك أنه جزء من هذه الحركة التفكيكية التقويضية، فقد وصف نفسه بأنه أحد ثلاثة طعنوا نرجسية الإنسان (أي قاموا بتفكيكه ورده إلى المادة) : كوبرنيكوس وداروين وفرويد نفسه. وفرويد محق في ذلك تماماً فكوبرنيكوس بيَّن للإنسان أن الأرض ليست مركز الكون، ومن ثم فالإنسان ليس ذا أهمية خاصة في النظام الشمسي، وإنما مجرد جزء من كل. وقد عمَّق داروين هذا الاتجاه حين بيَّن أن الإنسان سليل القرود وابن الطبيعة الذي أنتجته من خلال عملية تطورية ليس لها هدف واضح ولا يحظى الإنسان فيها بأهمية خاصة. وأخيراً جاء فرويد ليُبيِّن أن القرد لا يوجد خارج الإنسان وحسب وإنما يوجد داخله وفي صميم كيانه. فإذا كان كوبرنيكوس وداروين قد حطما أي تفرُّد خارجي للإنسان، فإن فرويد حطم أيضاً أوهام التفرُّد الداخلي بحيث يصبح الإنسان خاضعاً لقوانين الطبيعة/المادة من الداخل والخارج، ومن ثم تم تحويله إلى مادة كاملة.