ولكن هذه الهيمنة الكاملة للعقلانية المادية تعني في واقع الأمر ظهور اللاعقلانية المادية، فضمور الإنسان باعتباره كائناً حراً مسئولاً عن أفعاله، مستقلاً عن الطبيعة، يعني في واقع الأمر أن العقل الإنساني عديم الجدوى وكذلك القيم الإنسانية والفعل الإنساني، وهذا يعني حتمية ظهور نموذج آخر يملأ هذا الفراغ. وبالفعل شهدت أوربا تدريجياً ظهور فكرة اللاشعور وبدأ الاهتمام بالتنويم المغناطيسي (ومما يجدر ذكره أن الاهتمام بالسحر والتنجيم أخذ هو الآخر في التزايد، ومما هو معروف أن كثيراً من رواد حركة الحداثة في الفن كانوا يترددون على مدام بلاتافسكي العرّافة) . وقد شاعت فلسفة شوبنهاور (التصوفية الحلولية) وفلسفة نيتشه التي تمجد الفرد والإرادة، وفلسفات القوة التي تمجد السوبرمان الإمبريالي، وتدعو ضمناً السبمان، أحادي البُعد، إلى أن يذعن للقوانين الطبيعية وقوانين الواقع، وهو ما كرسته كثير من الفلسفات المادية الواقعية مثل البرجماتية.