وتستمر معدلات التجريد بلا هوادة وبكل صرامة إلى أن نصل إلى الثنائيات البسيطة المتعارضة (التي تُختَزل هي نفسها أحياناً) لنصل إلى بنية البنى وأسطورة الأساطير ونموذج النماذج، أي عالم الواحدية. وعلى حد قول ليفي شتراوس، فإنه «إن كان ثمة قانون في أي مكان، فإن القانون موجود في كل مكان» ، وكذلك فهو موجود في كل شيء ويتجاوز كل شيء (الإنسان والطبيعة) ، ويتحقق في كل المجتمعات بشكل جزئي رغم وجوده الكلي. وهو قانون يمكن ترجمته رياضياً ويشبه المعادلات الرياضية في تجريديته واختزاليته.
وعبَّر ليفي شتراوس عن رغبته في أن يتوصل إلى جدول يشبه جدول مندليف لتصنيف المواد، وهو الجدول الذي تم عن طريقه التنبؤ بوجود مواد في الطبيعة لم تكن معروفة للعلماء، ثم تم اكتشافها فيما بعد. كما يحاول كثير من البنيويين أن يصلوا إلى نوع من الجدول الرياضي أو المصفوفة الجبرية التي تغطي كل التحولات والتجمعات: الفعلية والممكنة في الماضي والحاضر والمستقبل.
ويمكننا أن نرى هنا كيف أن التحليل البنيوي، رغم كل هذا الحديث عن العقل الإنساني، يعيش في ظلال العلوم الطبيعية والرياضية، ومن هنا الرغبة العارمة في تصفية الخصوصية والفردية، ومن هنا العداء للنزعة التاريخية والنزعة الإنسانية وكل ما يمت بصلة لعالم الإنسان الفرد، ومن هنا الرغبة في الوصول إلى درجة عالية من اليقينية لا يمكنها أن تتحقق إلا في المنظومات الرياضية والقوانين العلمية.
ويثير دعاة الاتجاه الإنساني الهيوماني التاريخي الاعتراضات التالية على البنيوية: