وفي إطار هذا التحليل، يتخلى إنجلز عن كثير من مقولاته العنصرية، فهو يتحدث عن روتشيلد باعتباره رأسمالياً وحسب ويقرن بينه وبين رأسمالي مسيحي آخر. فالإطار المرجعي هنا هو الوظيفة التي يضطلع بها كل منهما وليس انتماؤهما الديني أو الإثني. وهو يشير إلى يهود شرق أوربا باعتبارهم ممثلي أدنى مراحل التجارة في أوربا، ولكنه يتحدث عن حيلهم التجارية الوضيعة لا باعتبارها خاصية يهودية وإنما باعتبارها سمة من سمات الإنتاج الرأسمالي في مراحله المتدنية. وقد أشار إنجلز إلى أعضاء الطبقة العاملة من اليهود في إنجلترا بل وفي شرق أوربا (وهم من يهود اليديشية) ، وهذا يعني أن يهود أوربا ما عادوا يوجدون في شقوق المجتمع ومسامه وإنما أصبحوا جزءاً منه، أي جزءاً من العملية التاريخية الكبرى، عملية استقطاب المجتمع إلى عمال ورأسماليين. وربما يُفسِّر هذا تصريحه الإيجابي عام 1890 عن اليهود: "إننا مدينون لهم، فمنهم هايني وماركس وغيرهما".
ومع هذا، لم يعلق إنجلز بتاتاً على المشروع الصهيوني، ولا على كتاب هس روما والقدس. ومن المعروف أن إنجلز لم يكن يُبدي اهتماماً كبيراً بالأمم الصغيرة. ولذا، فمن الممكن تصوُّر أنه لم يكن لديه أيُّ تعاطف مع هذا المشروع. كما أن الصهيونية لا تنتمي إلى العملية التاريخية الكبرى وإنما هي محاولة لتحاشيها وتعطيلها. ولكن بالإمكان النظر إلى المشروع الصهيوني باعتباره أداة لخلق حالة من عدم الاتزان في المنطقة العربية وتفتيت المجتمعات الرجعية القائمة فيها، أي أن الدولة الصهيونية يمكن أن تلعب في المنطقة العربية الدور نفسه الذي لعبه المموِّلون اليهود مقابل اليونكرز والبورجوازيات الصغيرة، وبالتالي فإن دورها سيكون تقدمياً. وقد أيَّد إنجلز الاستعمار الفرنسي للجزائر من هذا المنظور.