وظلت هذه هي الملامح الأساسية لفكر إنجلز حتى عام 1878 حين نُشر كتاب ضد دوهرنج الذي نلاحظ فيه نغمة مختلفة تماماً. فهو يشن هجوماً على معاداة اليهود، ويحاول أن يفسر الظاهرة بغضب بعض الطبقات الهابطة على ما يحدث لها نتيجة تغيرات اجتماعية لا يتحكم فيها اليهود. وهو يرى أن هذه الظاهرة تتحقق في بلاد متخلفة مثل روسيا والنمسا وبروسيا وليس في إنجلترا أو الولايات المتحدة.
وهنا يظهر تحيُّز إنجلز للعملية التاريخية الكبرى التي كان يرى أنها الاتجاه الحتمي للتاريخ الذي سيحسم كل الخلافات والتناقضات الاجتماعية بحيث تصبح تناقضاً واحداً بسيطاً: التناقض بين الرأسماليين والعمال. فالطبقات، مثل: اليونكرز (صغار الملاك الزراعيين الألمان) والبورجوازية الصغيرة والحرفيين وصغار التجار، كلها طبقات رجعية تَسقُط بسبب منافسة الرأسمالية الجديدة الصاعدة. ويلعب المموِّلون والتجار اليهود دوراً أساسياً في هذه العملية، فلا يهم إن كانت هذه الرأسمالية الجديدة وهذه القوى الصاعدة سامية أو آرية، مُعمَّدة أو مُختَّنة، فهي تنجز وظيفتها التاريخية وتساعد الأمم المتخلفة مثل البروسيين والنمساويين على أن يصلوا إلى مرحلة أعلى من التقدم وتبسيط التناقضات.
ولكن، في غياب رأسمالية قوية صاعدة لا تستأثر بالناتج القومي، فإن مسرح النشاط المالي الأساسي يصبح هو البورصة التي يتركز فيها اليهود، ويظل الإنتاج في أيدي بعض الفلاحين وملاك الأراضي والحرفيين. لكن أعضاء هذه الطبقات هم من بقايا العصور الوسطى الذين يهاجمون اليهود بعنف ويعتقدون أنهم هم الرأسمالية الصاعدة. وتشن هذه الطبقات الهجوم تحت عباءة الاشتراكية (ومن ثم سماها إنجلز «الاشتراكية الإقطاعية» ) . وأشار إنجلز إلى أن اليهود ليسوا حقاً من كبار المموِّلين، وبيَّن أنه لا يوجد يهودي واحد بين مليونيرات أمريكا الشمالية الذين يملكون من الثروات ما يجعل روتشيلد يبدو كما لو كان شحاذاً.