تنسب الوهابية إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على الذى ولد فى العيينة بمنطقة نجد بالجزيرة العربية (1115 هـ/703 1م).
والمقصود بالوهابية مجموعة المبادئ التى جهر بها الشيخ، وتتلخص فى:
1 - التوحيد، والعودة إلى أصول الإسلام الصحيحة.
2 - الجهاد فى سبيل ذلك، وجواز قتال مانعى الزكاة وتاركى الصلاة.
3 - ترك زيارة القبور؛ لأن الميت بعد الدفن أحوج إلى الدعاء، لا أن يدعى به. ويضاف إلى هذا منع اتخاذ التمائم، والتبرك بالشجر وا لحجر، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، والاستعاذة بغير الله، والعبادة عند القبور.
وهى أمور موافقة لمبادئ الإسلام، مؤكدة له، وغير جديدة. أما تجديد الدعوة آنذاك إلى التمسك بها فيعنى أن المجتمع الذى نشأ فيه الشيخ كان قد خرج عليها، أو أنه لم يعد متمسكا بها. وفى هذا يقول معاصروه الذين ترجموا له إن "دعوته " جاءت بعد أن قرأ العلم ورأى " كثرة جهل الناس بدين نبيهم ? "، وأنه رأى الناس فى العراق " مفتونين فى حب الدنيا، ورآهم فى العيينة مفتونين فى عبادة الأوثان. وعندما وصلت أنباء دعوته إلى المدينة المنورة قال أستاذه الشيخ محمد بن سليمان الكردى " إنه شاذ عن السواد الأعظم ". وكان أسلوبه في الدعوة يقوم على أخذ العهود والمواثيق على الناس لإقامة الدين.
ويذهب بعض الدارسين إلى القول بأن الوهابية، تتشابه مع ما سبق أن نادى به ابن تيمية فى بلاد الشام قبل ذلك بأربعة قرون (الشيخ تقى الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرانى 1 66 - 728 هـ/ 263 1 - 328 1 م الذى قال: إن الشهادتين وحدهما لا تكفيان ما لم يلتزم قائلهما بالشرائع والواجبات، واعترض على المقامات والأنصاب، وعلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين. وقد أثارت آراء ابن تيمية قلقا فى نفوس العلماء والحكام فى مصر والشام والعراق تحت حكم المماليك وانتهى أمره بالسجن حتى وفاته.
أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فلم يواجه حكومة مركزية شأن ابن تيمية، فالجزيرة العربية آنذاك كانت مجموعة من الإمارات المتناثرة ولا تخضع لسلطه مركزية.
وكانت الإحساء والمناطق الشرقية من الجزيرة ميدانا مثاليا لنشر أفكاره، فأهل السنة فيها يشكلون أقلية، ويشكل الشيعة والخوارح أغلبية، فضلا عن الإباضية في عمان، والنجديون حنابلة، وبالتالى كان أولئك جميعا أقرب من غيرهم إلى آراء الشيخ. وأما أهل الحجاز فهم من الشوافع الذين يرون فى أنفسهم أكثر تفهما للدين وأقدر على تفسير أحكامه.
ولقد واجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب مصاعب فى نشر أفكاره فى حريملاء التى كان بها عند وفاة والده، وفى العيينة التى اضطر أميرها عثمان بن معمر إلى إخراجه منها امتثالا لأمير الإحساء (سليمان بن محمد) الذى هدده بقطع الخراج عنه. وذهب لاجئا إلى الدرعية فى ضيافة الأمير محمد بن سعود، وسرعان ما تفاهما، إذ قال الأمير للشيخ " أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة ". وقال الشيخ للأمير "وأنا أبشرك بالعزة والتمكين ". وأصبحت الدرعية دار هجرة لأتباع الشيخ الذين هاجروا إليها. وقبل الشيخ بسلطة الأمير، واحتفظ لنفسه بمقام دينى، وأعطاه حق تقديم نصائح ملزمة للأمير الحاكم، حتى بدا أن سلطة الشيخ تعلو سلطة الأمير. وهكذا نشأ الإطار السياسى للوهابية. وقد أوفى آل سعود بالعهد لآل الشيخ ولم يتغير تقديرهم لهم على مر السنين إذ احتل آل الشيخ المراكز الرئيسية فى الإفتاء والتعليم فضلا عن رابطة النسب فيما بينهم.
وقد كان الأمير عبد العزيز بن محمد آل سعود- الحاكم الثانى للدولة السعودية الأولى 1158 - 233 1 هـ- 745 1 - 8 81 1م، أقرب آل سعود إلى قلب الشيخ، وأكثرهم تمسكا بمبادئه وتقيدا بنصائحه، وهو الذى جعل للشيخ المقام الأول فى الدولة. وعلى هذا نشأ تلازم بين "الوهابية، و" السعودية"، وأصبح المصطلحان وجهين لعملة واحدة، فبفضل الوهابية أقام آل سعود دولتهم الأولى التى شملت جبال شمر (1790 م)، والإحساء (1791 م)، وساحل عمان وقطر والبحرين (799 1م)، والحجاز وعسير (802 1م)، وهددت المناطق الجنوبية فى بلاد الشام حتى حوران، والمناطق الجنوبية الشرقية من العراق. ومن هنا بدأ العالم خارج الجزيرة العربية يسمع عن "الوهابية"، وصار التدخل العثمانى أمرا محتوما فكان ما كان من حملة محمد على باشا والى مصر العثمانى التى حطمت الدرعية وأخرجت آل سعود من أغلب الحجاز (1811 - 1818م). ثم أعيدت دولة آل سعود مرة ثانية ثم مرة ثالثة على يد الملك عبد العزيز فى ثلاثينات القرن العشرين.
ولما كانت "الوهابية " تمثل مرجعية لشرعية وجود آل سعود فى الحكم، فقد حافظوا عليها، واندفعوا بها، وحددوا علاقاتهم بالآخرين على أساسها حتى ولو اضطروا لاستخدام العنف فى سبيل إقرارها. وهو أمر صدم ضمير عامة المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم "حسنى الإسلام "، إذ حمل الوهابيون أكثر الأمور الدينية على ظاهرها، فبدا المذهب وكأنه حركة للاحتجاج والإثارة لا للهداية والتقويم.
أ. د/ عاصم أحمد الدسوقى