ذكر البغدادى أن اليزيدية هم أتباع يزيد ابن أبى أنيسة الخارجى (?)، وكان من البصرة ثم انتقل إلى جور من أرض فارس، وكان على رأس الإباضية من الخوارج، ثم إنه خرج عن قول جميع الأمة. (?)
واختلف المؤرخون والباحثون حول نسبة هذه الفرقة إلى الإباضية، فمنهم من يرى صحة نسبها إليها (?).
وأنه تفرَّق عن الإباضية أربع فرق:
الحفصية، واليزيدية، والحارثية والعبادية (?) ويجدر بنا أن نشير إلى أن الإباضية من الخوارج لنتبين موقف الاتفاق أو الاختلاف مع آراء اليزيدية.
فالإباضية: هم أتباع عبد الله بن إباض وهم أكثر الخوارج اعتدالا، وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية تفكيرا، فهم أبعدهم عن الشطط والغلو، ولذلك يقولون: لهم فقه جيد وفيهم علماء ممتازون. (?)
وجملة آراء الإباضية تدور حول:
1 - أن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين ولا مؤمنين ويسمونهم كفارا، ويقولون عنهم كفار نعمة، لا كفارا فى الاعتقاد، وذلك لأنهم لم يكفروا بالله، ولكنهم قصروا فى جنب الله.
2 - دماء مخالفيهم حرام، ودارهم دار توحيد وإسلام إلا معسكر السلطان، ولكنهم لا يعلنون ذلك، فهم يسرون فى أنفسهم أن دار مخالفيهم ودماءهم حرام.
3 - لا يحل من غنائم المسلمين الذين يحاربون إلا الخيل والسلاح، وكل ما فيه من قوة من الحروب ويردون الذهب والفضة.
4 - تجوز شهادة المخالفين ومناكحتهم والتوارث بينهم وبين الخوارج ثابت، ومن هذا كله يتبين اعتدالهم وإنصافهم لمخالفيهم. (?)
أما اليزيدية فقد كانوا مغالين فى آرائهم إلى حد الشطط، والخروج عن صحيح الدين، ولم يلزموا أنفسهم بعقل أو نقل، فهم يزعمون أن الله عز وجل يبعث رسولا من العجم، وينزل عليه كتابا من السماء، وينسخ بشرعه شريعة محمد ?، وزعموا أن أتباع ذلك النبى المنتظر هم الصابئون فى القرآن.
فأما المسمون بالصابئة من أهل واسط وحران فما هم الصابئون المذكورون فى القرآن. وكانوا مع هذه الضلالة يقولون بإسلام من شهد لمحمد ? بالنبوة من أهل الكتاب، وإن لم يدخل فى دينه وسماهم بذلك مؤمنين، وعلى هذا القول يجب أن يكون العيسوية والموشكانية من اليهود مؤمنين لأنهم أقروا بنبوة محمد ?، ولم يدخلوا فى دينه، وليس بجائز أن يعد فى فرق الإسلام من يعد اليهود من المسلمين، وكيف يعد من فرق الإسلام من يقول بنسخ شريعة الإسلام. (?) وبذلك نجد أن هذه الفرقة، قد فارقت ما نص عليه الدين، وأجمعت عليه الأمة من أن النبى محمدا? هو خاتم الأنبياء {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء 107)، ولم يكن ذلك هو التجاوز الوحيد بل تجاوزوا أيضا عندما قالوا بنسخ شريعة محمد ? {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة 3). بل اشتدوا فى الغلو والشطط عندما قالوا من شهد لمحمد ? بالنبوة من أهل الكتاب، وإن لم يدخلوا فى دينه ولم يعملوا بشريعته، وزعموا أنهم مع ذلك مؤمنون.
والواقع أن آراء هذه الفرقة، لا تتصل بنسب سواء من قريب أو بعيد إلى فرقة الإباضية المعتدلة- إلى حد كبير- فى آرائها. (?)
من أجل تلك التجاوزات والخروج عن صريح الدين تبرأ منهم الإباضية (?).
ويبدو أن يزيد بن أبى أنيسة قد تأثر ببيئة فارس وتراثها، وهو بعد انتقاله من البصرة عاش فى جوار بمنطقة فارس فخرج عن قبول الأمة (?) وجاء بأفكار وشعوبية بغيضة يرفضها الإسلام مثل قولهم إن الله يبعث رسولا من العجم وغيره من الآراء التى أشرنا إليها آنفا، ولعل هذا ما دفع البغدادى صاحب الفَرْق بين الفِرَق إلى القول (وكيف يعد من فرق الإسلام من يقول بنسخ شريعة الإسلام؟).
أ. د/ جمال رجب سيدبى