لغة: هو الحبس والمنع والجمع أوقاف والموقوف يسمى حبسا. قال الأزهرى (?): يقال حبست الأرض ووقفتها، وحبست أكثر استعمالا، قال أهل اللغة: يقال وقفت الأرض وغيرها أقفها وقفا. قال الجوهرى، وغيره (?): ويقال أوقفتها فى لغة ردية قال وليس فى الكلام (أوقفتها) إلا حرفا واحدا: أوقفت عن الأمر الذى كنت عليه.
قال أبو عمرو: وكل شيء أمسكت عنه تقول فيه: أوقفت. قال الكسائى: يقال: ما أوقفك هنا؟ أى ما صيرك إلى الوقف؟.
قال الشافعى رحمه الله: لم يحتبس أهل الجاهلية فيما علمته دارا ولا أرضا تبررا وإنما حبس أهل الإسلام، قال أصحابنا: (الوقف: تحبيس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف وغيره فى رقبته، يصرف فى جهة خير تقربا إلى الله تعالى).
واصطلاحا: يقصد بالوقف (تحبيس الأصل وتسييل المنفعة) (?) وقد ذهب الفقهاء فى حكم العين الموقوفة ثلاثة مذاهب وعرف كل فريق منهم الوقف بناء على مذهبه وبيان ذلك أن الشافعية والصاحبين من الحنفية ذهبوا إلى أن العين الموقوفة تنتقل إلى ملك الله تعالى. بينما ذهب أبو حنيفة والمالكية إلى أن العين الموقوفة تبقى على ملك الواقف. وذهب الحنابلة إلى أن العين الموصوفة تنتقل إلى ملك الموقوف عليه.
ويقسم الفقهاء (?) الوقف إلى نوعين: وقف خيرى، ووقف ذرى أو أهلى ويقصد بالوقف الخيرى الوقف على جهة بر معروفة كالمساجد والمدارس والملاجئ والمستشفيات والمكتبات والحصون أو الفقراء وطلبة العلم ونحو ذلك وإنما سمى ذلك النوع من الأوقاف خيريا لاقتصار نفعه على المجالات والأهداف الخيرية العامة.
أما الوقف الذرى أو الأهلى فهو الذى يحدد استحقاق الريع للذرية أو النسل أو الأقارب أو الأولاد أو بعضهم. وينقسم الوقف باعتبار محله إلى وقف عقار أو منقول. وقد اختلف الفقهاء حول الأموال التى يجوز وقفها فذهب البعض منهم إلى صحته فى العقار والمنقول لقول الرسول ? "وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، فإنه احتبس درعه واعتده فى سبيل الله " (?) ويقول ابن قدامة " الذى يجوز وقفه: ما جاز الانتفاع به مع بقاء عينه، وكان أصلا يبقى بقاء متصلا كالعقار والسلاح والأثاث وأشباه ذلك " (?).
ولا يجوز عند الفقهاء إخراج العين الموقوفة على جهة وقفها ببيعها إلا فى حالة خرابها ونضوب ريعها وأن يكون الثمن عدلا لا غبن فيه وأن يتم الاستبدال على يد من يوثق فيه وأن يكون المشترى عدلا ذا دين والمهم أن يستبدل بعين مثله لا نقودا، لكى لا يأكلها النظار. (?)
وقد اعتبر الفقهاء الشرط المعقول للواقف كنص الشارع (?) حديث التبرع بالوقف متجدد مع الأجيال ويحقق أمنية وقربى من أشخاص. وبذلك فإن التحول من الوقف الفردى إلى الوقف المؤسسى يتطلب نموذجا جديدا لا يؤدى إلى عزل الإنفاق عن رغبات الواقفين حتى لا يضعف حافز التبرع للوقف نتيجة فقدان الرابطة بين غرض الوقف والواقف. (?)
ويقترح بعض المحدثين تحويل العقارات إلى استثمارات فى شراء أسهم لشركات تزاول أنشطة حلالا وتخصيص دخل هذه الأسهم للمستفيدين من الوقف. ولا تحبس الأسهم إلا لشراء أسهم أخرى من نوع آخر وبذلك تكون إدارة الوقف مثل إدارة صندوق الاستثمار التبادلى (?).
وقد اعترض البعض على هذا الاقتراح على أساس أنه يؤدى إلى تصفية الوقف بسد منافذ رغبات الواقفين ومصادرة أغراض الوقف المتنوعة.
وحذر المجتهدون من تسييل رؤوس أموال المؤسسات الاجتماعية فى شكل نقدى أو أشباه النقود من أدوات كالدين وكالسندات نظرا لتعرضها لمخاطر الخسارة فى البورصات أو فى الاختلاسات وباعتبار أن أهداف الوقف اجتماعية وليست استثمارية.
وللوقف آثار اقتصادية هامة تتمثل فى المساهمة فى محاربة الاكتناز وتوفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية وحماية رؤوس أموال المجتمع الإسلامى حيث يتميز الوقف الإسلامى بوجوب البقاء والاستثمار ودوام النفع للجيل الحالى وللأجيال القادمة معا.
ويسهم الوقف فى توفير حد الكفاية لأكبر عدد ممكن من المواطنين من الفقراء والمساكين والمحتاجين مما يؤدى إلى تحقيق التكافل الاجتماعى وحماية المجتمع من الاضطرابات الاجتماعية وثيقة الصلة بانتشار الفقر وتدنى مستوى المعيشة.
ويقدم الوقف دعما تكافليا للفئات التى قد تصيبها بعض النكبات أو الكوارث أو المهددة بعدم توفير كفايتها من الضروريات فيسهم فى تقديم الإعانات اللازمة لاستكمال حاجاتهم من السلع والخدمات وزيادة قدراتهم الإنتاجية فى نفس الوقت.
ولا يخفى أن الوقف يسهم فى حماية المجتمع الإسلامى من التقلبات الاقتصادية عن طريق زيادة كفاءة رأس المال فى ظل انتظام حصول المنتفعين بالأوقاف والعاملين بها على دخولهم ومن ثم انتظام الطلب الاستهلاكى والاستثمارى على السواء واكتمال دورة النقود فى الاقتصاد القومى على نحو يمنع حدوث مخاطر الركود الاقتصادى وضمان حدوث الرواج مع التوازن.
أ. د/ حمدى عبد العظيم