لغة: وقت العمل جعل له وقتا يؤدى فيه. والوقت: مقدار من الزمان قدر لأمر ما، وجمعه أوقات (1).
وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} النساء:103،أى مفروضات فى الأوقات (2).
والله عز وجل هو الذى يخلق الوقت أو الزمان ويحدده. وكثيرا ما يتحدد بالليلة لارتباطه بالهلال أول الشهر. والوقت يحكم الإنسان، ولايحكم الله عز وجل (3).
واصطلاحا: الوقت عند الصوفية عبارة عن العبد (4) فى زمان الحال (5) أى عندما يتصل وارد من الحق بقلبه، ويجعل سره مجتمعا فيه، بحيث لايذكر في كشفه الماضى ولا المستقبل (6) ويشير القاشانى (ت 735هـ) إلى أن ما حضر العبد في الحال: إن كان من تصريف الحق، فعلى العبد الرضا والاستسلام.
وإن كان مما يتعلق بكسبه، فليلزم ما أهمه فيه بعيدا عن الماضى والمستقبل، فإن تدارك الماضى تضييع للوقت الحاضر.
كذلك الفكر فيما يستقبل، فعساه ألا يبلغه، وقد فاته الوقت، ولهذا قال أهل التحقيق: "الصوفى ابن الوقت" أى إنه مشتغل بما هو أولى به في الحال.
ويشير أبو على الدقاق إلى أن الوقت عند الصوفية ماكان هو الغالب: إن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى، وإن كنت بالسرور فوقتك السرور، وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن.
وقد يريدون بالوقت: ما يصادف الصوفى من تصريف الحق له دون ما يختاره لنفسه ويقولون: "فلان بحكم الوقت" أى إنه مستسلم لما يبدو له من الغيب، من غير اختيار له.
وهذا فيما ليس لله تعالى عليه فيه أمر أو اقتضاء بحق الشرع؛ لأن التضييع لما أمربه، وإحالة الأمر فيه على التقدير، وترك المبالاة بما يحصل منه من التقصير: خروج عن روح الدين.
ويشير الصوفية كذلك إلى أن "الوقت سيف" أى كما أن السيف قاطع، فالوقت غالب بما يمضيه الحق.
وقيل: "السيف ليّن مسّه، قاطع حدّه" فمن لاينه سلم، ومن خاشنه اصطلم. كذلك الوقت بمفهوم الصوفية: من استسلم لحكمه نجا، ومن عارضه انتكس وتردّى، وأنشدوا:
وكالسيف إن لاينته لان مسه * وحدّاه إن خاشنته خشنان فالصحبة مع السيف خطر: "إما ملك وإما هلك"، ولو حمله صاحبه ألف سنة فلن يفرق فى حال القطع بين رقبة صاحبه ورقبة غيره، لأن صفته القهر.
وقيل أيضا: من ساعده الوقت فالوقت له وقت، ومن ناكده الوقت فعليه مقت. وسمع القشيرى أبا على الدقاق يقول: "الوقت مبرد يسحقك ولايمحقك": أى يأخذ من العبد، دون أن يمحوه بالكلية. وكان الدقاق ينشد:
كل يوم يمر يأخذ بعضى * يورث القلب حسرة ثم يمضى
وأنشد أيضا:
كأهل النار إن نضجت جلود * أعيدت للشقاء لهم جلود
وهو فى معنى:
ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء
ويرى القشيرى أن الكيس هو: من كان بحكم وقته:
(أ) إن كان وقته الصحو، فقيامه بالشريعة.
(ب) وإن كان وقته المحو، فالغالب عليه أحكام الحقيقة (8).
ويرى علماء الصوفية، أن الخلق تتفاوت قدراتهم وأحوالهم فى مسألة "الوقت"، لكن الصوفية يصرحون بأنهم يعيشون فى الوقت سرورا مع الحق، فإذا انشغل الواحد منهم بالغد، أوقلب التفكير فى الأمس، حجب عن الوقت، والحجاب تشتت.
ويقول أبو سعيد الخراز "لاتشغل وقتك العزيز إلا بأعز الأشياء، وأعز أشياء العبد شغله بين الماضى والمستقبل.
ولهم فى ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرض عليه فى ليلة المعراج زينة ملك الأرض والسماء، فلم ينظر إلى أى شىء؛ لقوله تعالى: {ما زاغ البصروماطغى} النجم:17، لأنه كان عزيزا، ولايشغل العزيز إلا بالعزيز، ولم يتجاوز ما أمر به.
ويشير الهجويرى (ت 465هـ) إلى أن أوقاف الموحد وقتان: أحدهما فى حال الفقد، والثانى في حال الوجد، وفى كلا الوقتين يكون الموحد مقهورا؛ لأنه فى حال الوصل يكون وصله بالحق، وفى الفصل يكون فصله بالحق.
ويحكى الجنيد أنه رأى درويشا فى البادية يجلس تحت شجرة ذات شوك، وظل هكذا منذ اثنتى عشرة سنة، لأنه كان يتوجع على وقت ضاع له فى ذلك المكان. فمضى الجنيد إلى الحج ودعا له فاستجيبت دعوته، ومع هذا أصر الدرويش على البقاء في نفس المكان الصعب حتى يموت ويخلط ترابه بتراب ذلك الموضع، ويرفع رأسه يوم القيامة من هذا التراب الذى صار محل أنسه وسروره (9).
وقد اهتم الصوفية بالتفريق بين الوقت والحال:
فالحال هو الذى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب، ومن شرطه أن يزول ويعقبه المثل؛ (10) فالحال وارد على الوقت، يزينه مثل الروح والجسد والوقت لامحالة يحتاج إلى الحال؛ لأن صفاء الوقت يكون بالحال، كذلك فإن الغفلة تجوزعلى صاحب الوقت، ولاتجوزعلى صاحب الحال (11).
وأخيرا فإن الصوفية لديهم مايسمى الوقت الدائم" أو "الآن الدائم"، (12) وهم بهذا يشيرون إلى حقيقة الزمن بالنسبة لله عز وجل، حيث لاينقسم الزمن هناك، ولايتميز إلى ماض وحاضر ومستقبل.
أ. د/عبداللطيف محمد العبد