اصطلاحا: يقصد بالوفيات الكتب التى أرّخت لوفيات العلماء والمشاهير والملوك وغيرهم فى كل عصر من العصور، مع ترجمة يسيرة أو طويلة، حسب الشخصية المترجم لها. وقد ذخر تراثنا الإسلامى بمؤلفات تحمل هذا الاسم، منها:
1 - كتاب "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" ومؤلفه هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان قاضى القضاة شمس الدين أبو العباس البرمكى الإربلى الشافعى، وقد ولد بإربل سنة 608 هـ وسمع بها صحيح البخارى، وروى عنه المزى والبرزالى والطبقة، وكان فاضلا بارعا متقنا عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، قدم الشام فى شبيبته، وقد تفقه بالموصل، ودخل مصر وسكنها مدة، وناب بها فى القضاء عن القاضى بدر الدين السنجارى، ثم قدم الشام على القضاء منفردا بالأمر.
ويبين ابن خلكان سبب تأليفه للكتاب فيقول: هذا مختصر فى التاريخ، دعانى إلى جمعه أنى كنت مولعا بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولى النباغة، وتواريخ وفياتهم ومواليدهم، ومن جمع منهم كل عصر فوقع لى منهم شىء؛ حملنى على الاستزادة، وكثرة التتبع، فعمدت إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن، وأخذت من أفواه الأئمة المتقنين له ما لم أجده فى كتاب، ولم أزل على ذلك حتى حصل عندى منه مسودات كثيرة فى سنين عديدة.
أما عن منهجه فى الكتاب:
(1) فقد رتبه على حروف المعجم بعد أن كان قد جمع على ترتيب السنين، والتزم فيه تقديم من كان أول اسمه همزة ثم من كان ثانى اسمه الهمزة، أو ما هو أقرب إليها على غيره، وذلك ليكون أسهل للتناول، وإن كان هذا يفضى إلى تأخير المتقدم، وتقديم المتأخر فى العصر، وإدخال ما ليس من الجنس بين المتجانسين.
(ب) لم يذكر ابن خلكان أحدا من الصحابة أو التابعين رضى الله عنهم أو الخلّفاء، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهم.
(ج) ترجم لكل من له شهرة بين الناس، ويقع السؤال عنه، ولم يقتصر على طائفة مخصوصة، مثل العلماء، أو الملوك، أو الوزراء، أو الشعراء.
(د) اعتمد فى ترجمته على الإيجاز وإثبات الوفاة والمولد قدر الإمكان، مع رفع نسبه، وذكر من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة.
وقد انتهى ابن خلكان من ترتيبه سنه 645 هـ بالقاهرة.
2 - كتاب " فوات الوفيات والذيل عليها " ومؤلفه محمد بن شاكر الكتبى، وقد صدر الكتبى كتابه بمقدمة قصيرة بين فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب، فقال إنه قام بجمعه وترتيبه بعد أن اطلع على وفيات الأعيان لابن خلكان، فوجد أنه لم يذكر أحدا من الخلفاء، وأنه أخل بتراجم بعض فضلاء زمانه وجماعة ممن تقدم على أوانه، فأحب أن يستدرك عليه ما فاته ويذيل على كتابه. وقد انتهى الكتبى من تأليفه لهذا الكتاب سنة 753هـ.
وفى ذكر الكتبى هذه الغاية من تأليفه على هذا النحو شىء من المغالطة؛ لأن ابن خلكان قد صرح فى مقدمته أنه لا ينوى أن يترجم للخلفاء إلا من عرف سنة وفاته، ولم يكن إغفاله الكثيرين لذهوله عنهم، أو لأنه لم تقع له ترجمة لأحد منهم كما يقول الكتبى وإنما جرى ذلك خضوعا لمنهج محدد.
3 - كتاب "المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى، ومؤلفه أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى، وقد جمع فيه نحوا من ثلاثة آلاف ترجمة لمشاهير العلماء والأمراء والسلاطين الذين عاشوا فى مصر والشام فى عصر دولتى سلاطين المماليك الأولى والثانية، بالإضافة إلى من عاصرهم من مشاهير المشرق والمغرب من المسلمين وغيرهم.
وقد استهل ترجمته بذكر سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك، مع ترجمة له ثم انتقل إلى ترتيب المعجم فبدأ بحرف الهمزة، وترجمته للذين ماتوا بين منتصف القرن السابع ومنتصف القرن التاسع تقريبا. وهو تكملة لكتاب "الوافى بالوفيات " لخليل بن أيبك الصفدى.
ومثل هذه الكتب تفيد فى معرفة تواريخ الوفاة لكل من العلماء والمشاهير وغيرهم، فضلا عن الترجمة لهم؛ مما يتيح للباحثين مادة خصبة يمكنهم الرجوع إليها عند تناول شخصية من الشخصيات بالبحث والدرس.
(هيئة التحرير)