6 - الهيمنة

لغة: القيام على الشيء، وقيل الرقابة على الشىء، يقال هيمن يهيمن هيمنة إذا كان رقيبا على الشيء.

واصطلاحا: القدرة المطلقة على الشىء من كافة جوانبه، وبشتى الوسائل، بما يكفل تحقيق الغاية المشروعة.

وقد ورد فى القرآن الكريم لفظ (مهيمن) مرتين، الأولى كاسم الله سبحانه وتعالى وصفة من صفاته، يقول تعالى {الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن} (الحشر23)، والثانية كصفة للقرآن الكريم معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول تعالى] وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه [المائدة 48). وبذلك يقرر الإسلام تفرد الحق تبارك وتعالى بالهيمنة المطلقة، وأنه سبحانه وتعالى اصطفى نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - فجعله خاتم الأنبياء والمرسلين وأنزل عليه القرآن الكريم مصدقاً ومهيمناً، مما يجعل الهيمنة حقا لمن اتبع الإسلام والتزم بهديه، أما من فرط فيذيقه الله وبال هيمنة زائفة للمشركين. فالإسلام بطبيعته دين للحياة بجميع أبعاده وفى مختلف ظروفها وأحوالها، وهو دين ينطبق على كل قابلية واستعداد، ويلائم كل عاطفة وإحساس وهو دين متفتح لا يرفض ثقافة معينة لمجرد كونها أجنبية وإنما ينظرفيها ويفحصها بعناية ويأخذ ما يفيد فى مسيرته الحضارية، مما يجعله حقيقاً بالهيمنة، وحقيقاً بأن يهيمن من اتبعه والتزم به على العالم بأسره. فالإسلام كدين ليس تيارا فكريَّا أو ظاهرة وقتية حتى يخشى عليه من تيارات فكرية أخرى إنما هو دين له جذور وأصول راسخة، وقد ختم الله به الرسالات السماوية، وطالب المسلمين بعمارة الأرض والاستخلاف فيها، ونشر القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، والحفاظ على الكرامة الإنسانية لكل البشر وتأكيد حق كل إنسان فى الحرية والمساواة وحماية الأنفس والمعتقدات والعقول والأموال والأعراض، وإقامة موازين العدل بين الناس، وصيانة مؤسسة الأسرة، واحترام المرأة، ومنع الظلم والاستغلال فى كل أشكاله وصوره، وهى مهمة لا يقوم بها ويحمل تبعتها إلا من امتلك الهيمنة، وهى حظ كل مسلم التزم واتبع ولم يغير ويبدل.

وإن ظهر فى العصر الحديث ما يسمى بالعولمة التى هى فى جوهرها وإحدى صورها نوع من الهيمنة، فإنه يمكننا القول بأن الإسلام يعد دين العولمة الحقيقية متضمنا الأهداف السابقة.

ولعل مواجهة العولمة القادمة بما تحمله من شرور يثير مخاوف كثير من الغيورين على مبادئ دينهم، إلا أن مواجهة ذلك تكون بالعلم والعمل، ويكون موقفنا من الجديد الغريب القادم كموقف ابن رشد من كتب القدماء حين قال: ننظر فى الذى قالوه من ذلك وما أثبتوه فى كتبهم فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم.

(هيئة التحرير)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015