الواو

1 - واجب الوجود

مصطلح واجب الوجود يشير إلى وجودين: وجود أصلى ثابت لا يتغير، سبب لكل موجود سواه. واجب الوجود بذاته، الموجود الذى وجوب وجوده من ذاته ولذاته- أى لم يكتسبه من أى شىء آخر وهو الضرورى الوجود، الذى يترتب على عدم وجوده استحالة وجود أى شيء، هو الأزلى الأبدى.

يقول ابن سينا: "أما الذى هو واجب الوجود بذاته فهو الذى لذاته لا لشىء آخر أى شيء كان، ويلزم محال من فرض عدمه"ووجود فرعى مسبب عن السبب الأول، وهو واجب الوجود بغيره، وقد اعتمد فى وجوده على علة أوجبت وجوده حينما تعلقت به إيجادًا حيث رجحت وجوده على عدمه، ولولا علة الترجيح لبقى فى دائرة الإمكان. هو الذى "إذا اعتبر ذاته لم يجب وجوده .. وإذا وجب صار واجب الوجود بغيره، فيلزم من هذا أنه كان فيما لم يزل ممكن الوجود بذاته، واجب الوجود بغيره".

هو الذى لا يلزم من وجوده أو عدمه أى محال، ويوضحه ابن سينا بالمثال " إن الأربعة واجبة الوجود لا بذاتها، ولكن عند فرض اثنين واثنين"،وواجب الوجود بذاته عند "الفارابى"

"وابن سينا" وغيرهما، هو الله سبحانه مبدئ جميع الموجودات بأعيانها وأنواعها وصفاتها.

ومع أن وجود واجب الوجود بذاته الله سبحانه وتعالى، واضح لكل ذى لب يقول سبحانه {أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون. أم خلقوا السموات والارض بل لا يوقنون} (الطور35 - 36). ويقول سبحانه: {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} (فصلت 53).

ومع هذا الموضوع فقد أقام المتكلمون والفلاسفة الكثير من الأدلة. منها: دليل الحدوث:

وملخصه، العالم حادث، وكل حادث لابد له من محدث، والمحدث هو الله سبحانه.

دليل العناية: وملخصه، أن كل ما فى العالم موافق لوجود الإنسان، وهذه الموافقة ضرورية من قبل فاعل قاصد مريد هو الله سبحانه.

ودليل الاختراع: وملخصه أن كل الموجودات مخترعة اختراعا حقيقيا، وكل مخترع فله مخترع، والمخترع هو الله سبحانه.

وقد استدل "الفارابى، و"ابن سينا، على وجود واجب الوجود بذاته، لا من خلال الحدوث أو العناية أو الاختراع وإنما "من نفس الوجود، أى من حيث هو، بغض النظر عن المشاهد الواقع، ويدعى كل منهما أن تصور الذهن للوجود وحده يؤدى به حتما إلى الاعتراف بواجب الوجود بذاته)، ونذكر على سبيل الإيجاز دليلى "الفارابى" وابن سينا".

يقول الفارابى: "لك أن تلحظ عالم الخلق، فترى فية أمارات الصنعة. ولك أن تعرض عنه، وتلحظ عالم الوجود المحض، وتعلم أنه لابد من موجود بذاته ...

فإن اعتبرت عالم الخلق فأنت صاعد، وإن اعتبرت عالم الوجود فأنت نازل، تعرف بالنزول أن ليس هذا ذاك"

ويقول "ابن سينا": "لا شك أن هنا وجودا، وكل وجود فإما واجب وإما ممكن. فإن كان واجبا فقد صح وجود الواجب وهو المطلوب. وإن كان ممكنا فإنا نوضح أن الممكن ينتهى وجوده إلى واجب الوجود"

لم يشك "ابن سينا" فى وجود موجود، هذا الوجود إذا نظرنا إليه فى العقل، بصرف النظر عن تحققه فى الخارج، أو فى أفراد معينة. إن كان وجوده عين ذاته، أى غير مستند إلى علة سابقة فهو واجب الوجود بذاته. وإن كان وجوده من غير ذاته، كان ممكن الوجود، وسبب وجوده علة سابقة، لأنه بدون العلة لا يخرج للوجود. وهذه العلة إن كانت واجبة الوجود، ثبت المطلوب وإلا نقلنا الأمر إلى علة أخرى وهكذا ...

ولابد أن ينتهى الأمر إلى واجب الوجود بذاته، لأن عدم الانتهاء يؤدى إلى محالين وهما: الدور والتسلسل. "وابن سينا" إذ يثبت استحالة الدور والتسلسل، فإنه يؤكد ضرورة الانتهاء إلى واجب الوجود بذاته وهو الله سبحانه وتعالى. وواجب الوجود بذاته برئ من كل نقص، وجوده أفضل وأقدم وأكمل الوجود، خير محض، وكمال محض، وحق محض، لا مثل ولا ند ولا ضد له، لا ينقسم لا بالكم ولا بالكيف، مرتبته فى الوجود لذاته، هى مرتبة لا يشاركه فيها غيره

أ. د / محمد الأنور حامد عيسى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015