"الهندوسية" أو "الهندوكية": دين يعتنقه معظم سكان الهند، وقد أطلق عليها ابتداء من القرن الثامن ق. م. اسم: "البرهمية" نسبة إلى "براهما" وهو القوة العظيمة السحرية الكامنة التى تطلب كثيرا من العبادات، كقراءة الأدعية والأناشيد وتقديم القرابين، و"البرهميون" أو"البراهمة": هم أصحاب الطبقة الأولى من عبدة "براهما"الذين ولدوا منه، أو ممن انبثق عنه: "برهمان".
قامت "الهندوسية" على أنقاض "الويدية"، وتشربت أفكارها، وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة، والأساطير الروحانية المختلفة التى نمت فى الهند قبل دخول الآريين، ومن أجل هذا عدها الباحثون امتدادا لـ "الويدية" وتطورا لها.
ليس لـ"الهندوسية" مؤسس يمكن الرجوع إليه كمصدر لتعاليمها وأحكامها، فهى مجموعة من التقاليد والأوضاع تولدت من تنظيم الآريين لحياتهم جيلا بعد جيل بعد ما وردوا على الهند، وتغلبوا على سكانها. ويعتقد الهنود أنها دين أزلى لا بداية له وملهم به قديم قدم الملهم، ويرى الباحثون الغربيون والمحققون من الهندوس أنه قد نشأ فى قرون عديدة متوالية لا تقل عن عشرين قرنا بدأت قبل الميلاد بزمن طويل وقد أنشأه أجيال من الشعراء، والزعماء الدينيين والحكماء الصوفيين عقبا بعد عقب، وفق تطورات الظروف، وتقلبات الشئون، ف" الهندوسية" أسلوب فى الحياة أكثر مما هى مجموعة من العقائد والمعتقدات، وتاريخها يوضح استيعابها لشتى المعتقدات والسنن، وليست لها صيغ محددة المعالم، ولذا تشمل من العقائد ما يهبط بها إلى عبادة الأحجار والأشجار والحيوان، وما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة.
"الفيدا " هو كتاب "الهندوسية" المقدس، ويقال: إنه أقدم من التوراة بآلاف السنين، وإنه دون فى زمن موغل فى القدم، ربما يرجع إلى ثلاثين ألف سنة مضت، وتعكس نصوصه حياة الآريين فى الهند فى عهدهم القديم ومقرهم الجديد، ففيه حلهم وترحالهم، دينهم وسياستهم، حضارتهم وثقافتهم، معيشتهم ومعاشرتهم، مساكنهم وملابسهم، مطاعمهم ومشاربهم. وترى فيه مدارج الارتقاء للحياة العقلية من سذاجة البدوى إلى شعور فلسفى، فتوجد فيه أدعية بدائية، مثل: "أيتها البقرة المقدسة، لك التمجيد والدعاء، فى كل مظهر تظهرين به .. "ونصوص ترتقى إلى وحدة الوجود، مثل": إنى أنا الله، نور الشمس، وضوء القمر وبريق اللهب، ووميض البرق، وصوت الرياح، وأنا الرائحة الطيبة التى تنبعث فى أنحاء الكون، والأصل الأزلى لجميع الكائنات، وأنا حياة كل موجود، وصلاح الصالح لأنى الأول والآخر والحياة والموت لكل كائن".
بلغ تعدد الآلهة عند الهنود مبلغا كبيرا؛ إذ يوجد لكل ظاهرة طبيعية تنفعهم أو تضرهم إله يعبدونه، يستنصرون به فى الشدائد، غير أنهم جمعوا الآلهة فى إله واحد، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء: فهو "براهما" من حيث هو موجد، وهو "فيشنو" من حيث هو حافظ، وهو "سيفا" من حيث هو مهلك.
و"براهما"، هذا عند فلاسفتهم ليس خالقا، فهو فكرة ذهنية أكثر منه إرادة عاملة، فالعالم -حسب تصورهم- خلق على النحو التالى: أخذ "براهما" يتأمل ويفكر، وعن تفكيره هذا نشأت بذرة مخصبة، تطورت إلى بيضة ذهبية، ومن تلك البيضة نشأ العقل الخالق، يطلقون عليه أيضا "براهما".
من المعتقدات الهندوسية:
1 - التناسخ؛ إذ يعتقد الهنود أن الأرواح جائلة متنقلة فى أطوار شتى من الوجود، تنتقل من جسد إلى آخر، سواء أكان فى الإنسان، أو فى الحيوان، حتى تصل إلى هدفها الأخير، وهو استجلاء طلعة "براهما" التى لا تكتسب إلا بالاندماج فيه كما تندمج قطرة الماء فى المحيط.
2 - "كارما" وهى متممة لفكرة تجوال الأرواح. وتقوم نظريتها على أساس أن كل عمل يأتيه الانسان له ثمرته حتما، وأن كل شىء يكتسبه الإنسان فى كل طور من أطوار الوجود المتكرر، تحدده الأعمال التى يقوم بها فى الوجود السابق؛ فأعماله الصالحة ترفع درجته فى الأطوار اللاحقة، حتى إلى النهاية، وهو الاتحاد مع "براهما". والأعمال الشريرة تهبط بدرجته إلى أسفل، فيظل دائرا فى أطوار الوجود المؤلمة لا يتخلص منها أبدا بل تزداد انحدارا به إلى أسفل طبقات الوجود.
3 - نظام الطبقات: يعتبر "البراهمة" رجال الدين أنفسهم من عنصر إلهى، فهم كهنة الأمة التى لا تجوز الذبائح إلا فى حضرتهم وتحت أيديهم، لذلك قسموا المجتمع إلى ثلاث طبقات:
(أ) طبقة الكهنة.
(ب) طبقة المحاربين والتجار.
(ج) طبقة الخدم، فلا يجوز لفرد أن يأكل مع آخر من طبقة أخرى، أو يزاوجه، أو يختلط به. ولم يظهر هذا النظام إلا فى قوانين "مينو" حوالى القرن السادس قبل الميلاد وهناك طبقة رابعة لم تدخل التقسيم وهى طبقة المنبوذين؛ إذ هم سكان الهند الأصليون الذين لا يجرى فى عروقهم الدم التوارنى. أو الدم الآرى، ويسمون: "زنوج الهنود"، وقد سلبهم المجتمع الهندوسى حقوقهم الإنسانية، فنزل بهم إلى مستوى أقل -أحيانا- من مستوى الحيوان، فيعتقد الهندوسى فى أحيان كثيرة أن الدنس والرجس يلحقه، إذا مر به المنبوذ على بعد بضعة أمتار. ولم ترجع الفلسفة الهندية نشأة نظام الطبقات إلى نزعة الجنس والعنصر، بل ربطته بنص مقدس، يقول "مينو": " ... ثم خلق البرهمى من فمه، و"الكشتريا" وهم المحاربون التجار من ذراعه، و"الويشا" وهم الخدم من فخذه، و"السودرا"، وهم المنبوذون من رجله، فكان لكل من هذه الطبقات منزلة على هذا النحو".
ومن ثم اتجه المنبوذون فى تدينهم إلى الأمور البدائية، فأصبح دينهم أشبه بعبادة الأزوات التى اعتصمت بها الأقوام الفطرية الساذجة، فأعظم الآلهة عندهم يظهر فى شكل كومة من الآجر، أو فى هيئة أخرى ساذجة. وهذا الإله هو الذى يمنح الخصب للعواقر، ويحمى المحصول من الآفات، ويرعاهم برعايته وعنايته، ولكل مدينة إلهها.
أ. د/محمد شامة