اصطلاحًا: هى الأسس التى يقوم عليها النقد التطبيقى للشعر من الناحية الفعلية وقد كتب جرونيبام/ سنة 1941 م بحثه الرائد عن النقد الأدبى العربى فى القرن الرابع الهجرى، وطالب فيه "بإيضاح المعايير التى يقوم عليها النقد التطبيقى من الناحية الفعلية، أو بمعنى آخر الأسس التى توجه الذوق العربى فى النقد العربى"، وقد نظر فى هذه القضايا نظرة أخرى فى بحث له بعد ذلك عن الأساس الجمالى فى الأدب العربى.
إن الموضوعات التى طرحها جرونيبام قد بحثت من جديد، وكان مفهوم النقد هو أكثر المفاهيم شيوعا فى هذه الدراسات، حتى ظهر سنة 1969م ذلك العرض الممتاز الذى ألفه هاينرشس عن الشعر العربى وفن الشعر عند اليونان، وبذلك أخذ مفهوم نظرية الأدب مكانه، وتحدد محتواه بدقة، إن مفهوم نظرية الأدب يشمل عند هاينرشس جانبين على الأقل، فى الشعر والبلاغة.
أما التعبير عن نظرية الأدب فى التراث العربى على أنها لا تتجاوز فنى الشعر والبلاغة: فهو تبسيط للحقائق وتمزيق لها، وأكد هاينرشس فى هذا حقيقة أن المؤلفات التى تتناول هذه الموضوعات ألفت فى مجالات مختلفة، وأن الأمر يتجاوز كتبًا مثل قواعد الشعر ونقد الشعر.
وعن طريق بحث عميق آخر للموضوع أعده هاينرشس، فى ضوء مواد جديدة، وأفكار جديدة، أصبحت معلوماتتا عن نظرية الأدب العربى أكثر ثراء ..
ولا نستطيع هنا أن نبحث المفاهيم المختلّفة وقضاياها بحثا مفصلأ، وهى المفاهيم التى بحثت فى الدراسات التى تمت فى نظرية الأدب.
إن مصادرنا العربية فى هذا الموضوع هى مؤلفات اللّغويين والأدباء وقد كانت الدراسات التى أعدت حتى اليوم تعتمد- فى المقام الأول على المؤلفات الأساسية، وكانت تترك الكتب التى سبقتها، والتى تمثل المرحلة السابقة فى التطور، وتهملها إهمالاً شبه كامل. بيد أن المقارنة بين كتابين وصلا إلينا من نصف القرن الثانى الهجرى- التاسع الميلادى وهما كتاب "قواعد الشعر" لثعلب "كتاب البديع "- ولابن المعتز، يعطينا انطباعا أنهما فى مستويين مختلفين من النقد.
ويقول نقاد العرب إن الشعر هو الكلام الموزون المقفى. ولكن المازنى يعترض على هذا التعريف، ويرفض كذلك تعريف الشعر بأنه مجرد تصوير، معترضا فى ذلك على قول الجاحظ. فقد ذكر الجاحظ "أن الشعر صياغة ودرب من التصوير" ولكن الشعر يقوم على الخيال والتصوير، وهو يخاطب الوجدان، ولابد أن يكون الشعر مطبوعا، ليس فيه أثر من آثار الصنعة والتكلف، وأن يستلهم الخيال الواسع، ويعمد إلى الابتكار والتجديد، وأن يعبر تعبيرا صادقا عن نفس صاحبه، مصورًا لآمال النفس البشرية وآلامها، ومعبرًا خير تعبير عن معانى الطبيعة والعقل، التى ترتبط ارتباطا وثيقا بالحياة وبالنفس، فيكون بحق وحى الطبيعة ورسالة النفس. والشعر عند المازنى ذاتى شخصى، ويرى العقاد أن الشعر خاطر لا يزال يجيش بالصدر حتى يجد مخرجاً ويصيب مُتنفَّسا، وهو غنائى خالص، ليست له وظيفة سوى التنفيس الشخصى عن قائله.
ويرى المازنى أن الشعر ابن الخيال، فإذا لم يكن فيه مجال للخيال فهوغث لا خير فيه، ويستشهد برأى "سانت بيف " الذى يقول: ليس الأصل فى الشعر الاستقصاء فى الشرح والإحاطة فى التبيين، ولكن الأصل فيه أن يترك كل شيء للخيال.
ويقول العرب إن الشعر لغة العواطف، لا العقل، وإن كان لا يستغنى عن العقل، وليس بشعرما لم يعبر عن عاطفة أو يثيرها، والعاطفة تحتاج إلى لغة حارة. ويدافع النقاد دفاعا قويا عن ضرورة الوزن فى الشعر، فكما أنه لا تصوير بغير ألوان كذلك لا شعر بدون وزن وقافية. وقد حاول بعض الشعراء التخلص من القافية ويسمى هذا بالشعر المرسل. ولابد أن تكون القصيدة عملاً فنيا تاما قائما على فكرة معينه. ويرى النقاد أن الشطط فى الخيال، ومخالفته للواقع ليس دليلاً على النبوغ والبراعة. ولكن آية النبوغ والبراعة فى الصدق، وعدم تجافى الحقائق.
ويرى الرافعى أن الشعر القديم غيرمترابط فلا نجد فى القصيدة وحدة مترابطة، حتى الطبيعة تظهر فى الشعركأنها قطع مبتورة، ويرى أن العلم والتجربة وكثرة الأسفار ضرورية للشاعر تغذى فكره وخياله وعقله، وتلّهمه الصور، وتساعده على الإبداع.
أ. د/ محمد سلام