تنتمى هذه الفرقة إلى الشيعة الغلاة، وصاحبها محمد بن نصير النميرى (ت260 هـ 873 م) (1) وكما ذهب النوبختى- وهو من مؤرخى الشيعة- فى كتابه (فرق الشيعة): وقد شذت فرقة من القائلين بإمامة على بن محمد فى حياته، فقالت بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير النميرى، وكان يدعى أنه نبى بعثه أبو الحسن العسكرى، وكان يقول بالتناسخ والغلو فى أبى الحسن، ويقول فيه بالربوبية، ويقول فيه بالإباحة للمحارم، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضا فى أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل، وأنه أحد الشهوات والطيبات، وأن الله عز وجل لم يحرم شيئا من ذلك (2).
والواقع أن أفكار هذه الفرقة تدور حول "ظهور الروحانى بالجسمانى" كما لاحظنا فى كلام الشهرستانى.
لقد ظهر الله بصورة الأشخاص، وهم الخمسة المشهورون، محمد، وعلى، وفاطمة، والحسن، والحسين "هم خير البرية ظهر الحق بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم " هذا هو معنى التأليه عند المجسمة نوع من التأييد الربانى، لا اعتبارهم آلهة خالقين وقادرين.
وأما السبب فى اختصاص علىّ بإطلاق اسم الإلهية عليه، أنه كان مخصوصاً بتأييد من الله مما يتعلق بباطن الأسرار، وينشأ عن هذا فكرة "المخصص " عند الإسماعيلية والدروز، أى أنه المعلل، أى صاحب العلل. محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب الظواهر، وعلى صاحب السرائر "أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر وقتال المشركين كان إلى النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقتال المنافقين كان إلى عِلىّ.
واستندوا فى صفة علّى الباطنية إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا فى عيسى بن مريم، وإلا لقلت فيك مقالاً".
وأخيرا إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - صاحب التنزيل، وعلياً صاحب التأويل، واستندوا فى هذا إلى الحديث " فيكم من يقاتل على تأويله، كما قاتلت على تنزيله، ألا وهو خاصف النعل (3) فكل هذه العلوم، علّوم التأويل وغيرها من علوم، وقتال المنافقين، والخوارق من مكالمة الجن، وقلّع باب خيبر، وعلمه بما سيكون، كل هذا لا، "بقوة جَسدية" دليل على أن فيه جزءًا إلهيا وقوة ربانية، أو يكون هو الذى ظهر الإله بصورته وخلق بيده، وأمره بلسانه (4)
وتقدم النصيرية تفسيرات لثالوثهم المقدس شبيه إلى حد كبير بتلّك التى يقدمها مصادفة، ويشير إلى أخذ النصيرية عن المسيحية (5)
ونظرالأفكارهم المتطرفة دفع الإمام ابن تيمية إلى وضع فتواه ضدهم، فحرم فيها الزواج من النصيرية، وأحل فيها دماءهم، وممتلكاتهم ودعا فيها إلى الجهاد ضدهم، واتخاذ التدابير القاسية التى من شأنها القضاء عليهم (6).
أما عن مؤلفاتهم: فهى كتاب "المجموع " الذى يمثل أعظم مصدر للراغبين فى الوقوف على النصيرية، وهناك كتاب آخر وهو "القداس " الذى يشمل على قداس الطيب، وقداس البخور، وقداس الآذان، وقداس التمام، واسمه الإشارة وجميعها تستخدم فى الأعياد. وكذا كتاب "الباكورة السليمانية فى كشف أسرارالديانة النصيرية" وهو من تأليف سليمان أفندى، ويعد هذا الكتاب من أوثق المصادر فى العصر الحديث عن هذه الفرقة (7) ونود أن نشير إلى أن هذه الفرقة انتشرت قديما فى الشام، ومازالت تعيش حتى الآن فى سوريا وبعض أجزاء من شمال فلسطين (8) لقد خلع أولئك الغلاة ربقة الإسلام، وطرحوا معانيه، ولم يبق لأنفسهم منه إلا الاسم (9)، ويذكر التاريخ لأولئك الغلاة أنهم اتخذوا لهم مقرا فى الشام، وهو جبل السمان الذى يسمى الآن (جبل النصيرية)، وكان بعض كبرائهم يستميلون مريديهم بالحشيش، ولذلك سموا فى التاريخ بالحشَّاشين
أ. د/ جمال رجب سيدبى
1 - تاريخ الإسلام د/ حسن إبراهيم حسن: 4/ 253
2 - فرق الشيعة- النوبختى: ص 78 نقلاً عن الملل والنحل للشهرستانى ص188.
3 - جاء فى (مجمع الزوائد) 6/ 244 طبعة دار الريان للتراث (عن أبى سعيد الخدرى قال. كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله).، أيضأ مسند أحمد 3/ 31 الطبعة الميمانية، حديث رقم 11276 قلت وله طريق أطول من هذه فى مناقب على وكذلك فيمن قاتلهم "رواه أحمد وإسناده حسن.
4 - نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام د/ على سامى النشار: 2/ 253، الملل والنحل للشهرستانى ص 189.
5 - دراسة فلسفية لبعض الفرق الشيعية د. زينب محمود الخضيرى ص 84: دار الثقافة للطباعة والنشر
6 - نفس المرجع ص79
7 - نفس المرجع ص88
8 - تاريخ المذاهب الإسلامية، الشيخ أبو زهرة ص54: دار الفكر العربى.
9 - الشيخ أبو زهرة: المرحع السابق نفس الصفحة